Tuesday 12 August 2008

رد الاستاذ منير مجاهد على الانبا توماس

هو انا بعت استأذنه بس بصراحة ماليش صبر خصوصا اني عرفت بقى انه نشرها في البديل يعني خلاص نزلت على النت انزلها عندي بقى، خصوصا اني ح ادخل انام وخايفة مسافة ما انام الناس تلبس في بعض وتشتم بعض
اليكم رد الاستاذ منير مجاهد:

ملاحظات على محاضرة الأنبا توماس

د.م/ محمد منير مجاهد

ألقى نيافة الأنبا توماس أسقف القوصية في 18 يوليو 2008 بمعهد هادسون بالعاصمة الأمريكية واشنطن محاضرة بعنوان 'خبرات الأقباط تحت مناخ الأصولية الإسلامية' ، وقد أثارت هذه المحاضرة مجموعة من ردود الأفعال المتضاربة فقد سارع عدد من المثقفين المسلمين والمسيحيين بإصدار بيان يستنكرون فيه 'ما صدر من أحد أساقفة الكنيسة وأحد أعضاء مجمعها المقدس في أحد المراكز الحقوقية في أمريكا من أفكار ملتبسة وغير حقيقية بين أبناء الجماعة الوطنية'، ورد عليهم من وصفوا أنفسهم بالشباب المصريين التابعين لمطرانية القوصية ومير ببيان يتهمهم بـ 'العمل الدؤوب علي إشعال الفتنة الطائفية' ويعلنون رفضهم 'لأعمالهم الخبيثة والمكشوفة والتي وضحت جلية في استقطاب بعض ضعاف النفوس من إخوتنا في الكنيسة الإنجيلية والكنيسة الكاثوليكية وبعض من يدعون بالاسم مسيحيين وهم أعداء لدودين للمسيحية'، وبين هؤلاء وهؤلاء كتبت عدة مقالات على الإنترنت انحازت بدرجة من الدرجات لهذا الموقف أو ذاك.

رغم تحفظاتي على الحديث بدعوة من مؤسسة معروفة بانحيازها لإسرائيل وعدائها لكل من هو عربي أو يتحدث العربية، إلا أني كنت أود من الأسقف – وقد قرر قبول الدعوة - أن يلتزم فقط بالجزء الأخير من محاضرته الذي يستعرض التمييز الذي يتعرض له المسيحيين المصريين - ومعهم كل المصريين من غير المسلمين السنة - في التعليم والإعلام وفي المجال العام والذي أرى وكثيرون معي أننا نعاني منه فعلا، وقد سبق أن تم تناول هذه القضايا وغيرها في عدد من الدراسات الجادة التي عرضت في المؤتمر الوطني الأول لمناهضة التمييز الديني الذي عقد في إبريل الماضي بالقاهرة، واستعرضت خلاله مظاهر التمييز الديني في كل هذه المجالات وقدمت مقترحات بحلول.

ورغم اختلافي مع تصورات الأسقف السياسية فلن أجادله بشأنها، ولكنني سأناقشها من زاوية لا أظن أن نيافة الأنبا توماس سيختلف معي فيها، وهي زاوية مناهضة التمييز الديني في الحاضر بهدف استئصاله في المستقبل، وأظن أن محاضرة الأسقف وما أعقبها من أصوات مؤيدة تضر ضررا بليغا بهذه القضية.

النقطة الأساسية في محاضرة الأسقف تقوم على إحداث قطيعة ثقافية وفكرية بين المسلمين والأقباط المسيحيين باعتبارهم الأقلية الصامدة من السكان الأصليين في مواجهة الأغلبية الخائنة التي قبلت بالانتماء لـ 'ثقافة الغزاة العرب'، ولا أستطيع أن أجزم هل انطلق الأسقف من هذا الموقف فقط للحصول على تأييد الجهة الداعية والمعروفة بعدائها للعرب؟ أم أن الأمر أخطر من ذلك، وأن هذه النقطة - كما يرى الدكتور مينا زكري الطبيب والناشط الحقوقي – 'مغروسة في عقول أجيال كاملة من المسيحيين المصريين، ولكن على مدى أجيال لم يجرؤ أحد على المجاهرة بها هكذا، وإنه كان يتم غرسها بانتظام ورعايتها باستمرار'.

يبدأ الأسقف محاضرته بتعريف معنى كلمة 'قبط' ويقول مصر كانت تدعى دائماً 'إجيبتوس' وكان الجميع يعرفونها بهذا الاسم، ... حين جاء العرب لمصر أو بالأحرى حين قاموا بغزوها، لم يستطيعوا نطق كلمة 'إجيبتوس' بسبب الفروق اللغوية فغيروها إلى 'جبت' ... واستخدموا القاف فأصبحت 'قبط'، والحقيقة أن اسم 'إجيبتوس' هو الاسم اليوناني لمصر ولم تكن مصر دائما تدعى 'إجيبتوس' كما قال نيافته، ويعتقد البعض أن هذا الاسم تحريف للاسم الذي عرف به المصريون موطنهم في اللغة المصرية القديمة وهو 'كِمِت' ويعني 'الأرض السوداء'، كناية عن أرض وادي النيل السوداء تمييزا لها عن الأرض الحمراء الصحراوية دِشْرِت، أما اسم مصر في العربية واللغات السامية الأخرى فهو مشتق من جذر سامي قديم قد يعني البلد أو البسيطة (الممتدة)، وقد يعني أيضا الحصينة أو المكنونة، والاسم العبري الذي ورد في سفر التكوين بالتوراة هو 'مصرايم' كاسم للبلاد المعروفة حاليا بمصر.

والسؤال هنا لماذا تجاهل الأسقف تاريخ مصر واسمها الذي استمر لآلاف السنين وانطلق من الاسم اليوناني باعتباره الاسم الذي كانت تعرف به مصر دائما؟ أظن أن السبب هو محاولة إيجاد أرضية مشتركة مع المستمعين المنحدرين من الحضارة الأوروبية والذين يعتبرون أنفسهم امتداد للحضارتين اليونانية والرومانية وكلاهما لم يعرف مصر إلا باعتبارها 'إجيبتوس'.

لتأصيل القطيعة الثقافية والفكرية بين الأقباط والمسلمين يقول الأسقف 'قام بعض الناس بالتحول للإسلام لأسباب معينة سواء كانت الضرائب أو الضغوط من أي نوع أو الطموحات والرغبة في التعامل مع القادة أو الحكام، وهؤلاء الذين تحولوا للإسلام لم يعودوا بعد أقباطا، بل أصبحوا شيئا آخر ... والذين ظلوا مسيحيين هم الذين أطلق عليهم أقباط'، وناهيك عن نفي صفة الإيمان أو الاقتناع عن هؤلاء المتحولين بما يمثله هذا من افتراء وتعالي وازدراء للآخر والتحامل على غير المسيحيين، فإنه من حيث لا يقصد يوجه إهانة كبرى للشعب المصري الذي يبدأ تقويمه القبطي بعام الشهداء الذين قتلهم الإمبراطور الروماني دقلديانوس الذي مارس القتل الجماعي والتعذيب الوحشي للمسيحيين في أنحاء الإمبراطورية الرومانية وكانت شروطه لهم هي أن 'يبخروا لأوثانه ويؤمنوا بها', ولكن المصريين (الأقباط) رفضوا ترك المسيحية، ويقال أن عدد الذين فضلوا الموت على إنكار المسيح في مصر وحدها وصل إلى مليون شهيد، ولكنهم – طبقا للأنبا توماس - بعد ثلاثة قرون يتحول معظمهم للإسلام ليس بسبب القتل أو التعذيب، ولكن بسبب الضرائب والطموحات والرغبة في التعامل مع القادة والحكام!!.

لعل أخطر ما جاء في حديث الأسقف هو الادعاء بأن الذين تحولوا للإسلام لم يعودوا بعد أقباطا (أي مصريين) وأنه حين تحول بعض المصريين للإسلام، فإن بؤرة الاهتمام والتركيز عندهم تغيرت وبدلا من أن يكون الوطن في الداخل هو مركز الاهتمام، أصبحت شبه الجزيرة العربية هي المركز، والحقيقة التاريخية هي أن من أسلموا سواء في مصر أو غيرها من البلدان لم يعتبرهم الحكام عربا ولكن كانوا يسمونهم الموالي، وأن الجزيرة العربية كانت مركز الحكم لمصر باعتبارها جزء من الإمبراطورية العربية-الإسلامية لأقل من عشر سنوات انتقلت بعدها الخلافة إلى الكوفة ثم دمشق ثم بغداد حتى سقوطها في يد التتار كي تنتقل إلى القاهرة وتبقى طوال حكم المماليك لتستقر بعد ذلك في اسطنبول حتى نهاية الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن العشرين، أما الحكم العربي لمصر فدام لأقل من 300 سنة حتى استقل أحمد ابن طولون بحكمها، وفي كل التحولات الكبرى منذ انهيار الدولة المصرية تحت سنابك الفرس وانتقالها للإغريق ثم الرومان ثم العرب وفي كل الممالك التي استقلت بمصر من الدولة الطولونية حتى دولة المماليك فلم يكن لأجدادي أو أجداد الأسقف أي تأثير على الدولة ولم يحاربوا أو يقاوموا أو يعترضوا على انتقال أمور الدولة من حاكم لآخر، مثلهم في هذا مثل بقية شعوب العالم في ذلك الوقت، أجدادنا المسيحيين والمسلمين كانوا هم الفلاحين والحرافيش والدهماء والسابلة في كل هذه الإمبراطوريات والممالك، قيمتهم الرئيسية كانت توفير الغذاء والضرائب للحكام.

***

يعلم كل المشتغلين بعلم الاجتماع أن الأمة بالمعنى الحديث هي ظاهرة ثقافية اجتماعية وسياسية نشأت كنتيجة للرأسمالية فلم يهتم الألمان أو الإيطاليين بالتوحد قبلها في دولة قومية، ولم تكن مصر استثناء من هذا فحتى الثورة العرابية لم يكن الإحساس القومي المصري قد تبلور، ولم تبدأ الهوية العربية لمصر في الظهور إلا في الأربعينيات من القرن الماضي، وبغض النظر عن صحة أو خطأ هذا التوجه، فعروبة مصر قضية سياسية حديثة يؤيدها مسلمون ومسيحيون، كما يعارضها مسلمون ومسيحيون، وبالتالي فإن وضع القضية باعتبارها انقساما حدث منذ أربعة عشر قرنا بين الأقباط 'الذين تمسكوا بهويتهم كمصريين وبثقافتهم محاولين الاحتفاظ باللغة والموسيقى والتقويم القبطي' وبين المتحولين الذين تخلوا عن التراث الثقافي للمصريين القدماء 'من أجل ثقافة أخرى'، وأن القبطي هو 'مصري يحاول الحفاظ على هويته مقابل هوية أخرى مستوردة تفرض عليه'، لا يمكن إلا أن يكون تأصيلا لوجود عنصرين في مصر هما الأقباط والعرب (أو المتعربين) وبهذا لا تصبح القضية - كما يطرحها الأسقف - قضية تمييز ديني يجب أن نناضل سويا كمصريين مسلمين ومسيحيين ومن كل الأديان من أجل استئصاله والعبور بمصر بلدنا إلى المستقبل، وإنما قضية تحرر وطني من سيطرة 'المتعربين الخونة الذين تخلوا عن هويتهم المصرية من أجل هوية مستوردة'،

ويبدو أن أطروحات الأسقف تجد صداها في كتابات بعض الأمريكيين من أصل قبطي، فنجد مقالا منشورا في موقع إيلاف الإليكتروني بتاريخ 1 أغسطس 2008 للأستاذ مجدي خليل مدير منتدى الشرق الأوسط للحريات بعنوان 'معاقبة الأقباط على وطنيتهم'، وهو عنوان كما نرى يحصر الوطنية وحب مصر أساسا في الأقباط!!!، ويتضمن أن التمييز الديني الحادث اليوم – والذي نناهضه - لا يعود لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية يمكن مقاومتها وتصحيحها، ولكن يعود لعقاب ينزله الخونة بالقابضين على جمر الوطنية، ويردد فيه أقوال مثل 'الأقباط حراس للهوية المصرية ومعهم الكثير من إخواننا المسلمين'، فالأقباط المسيحيين عند هؤلاء كتلة واحدة متجانسة ترى ما يراه الأسقف (وهي رؤية تلتقي مع رؤية الجماعات الأصولية الإسلامية)، أما المسلمين فهم (وهذا هو الطبيعي) متنوعون، منهم الوطنيون الذين يتبعون الأقباط ومنهم الخونة الذين تخلوا عن هويتهم المصرية من أجل هوية مستوردة، كما يردد كلاهما أقوال مثل 'نحن لسنا عربا عرقيا'، وهو ما يعني ضمنا أننا مصريون عرقيا، دون أن يعني أحدهم بتوضيح المقصود بالعرق المصري! فهناك مصريون مسلمون ومسيحيون بيض بعيون خضراء وشعر أصفر، وآخرين سمر بشعر أسود، وآخرين سود وآخرين صفر ... الخ، مما يشير إلى أصول أوروبية أو أسيوية أو إفريقية، فأيهم هو العرق المصري؟

علينا أن نتذكر ونحن نتكلم عن الحضارة المصرية القديمة التي يعتبر الأسقف ومؤيديه أن الأقباط هم ورثتها وحراسها والمدافعين عنها، أن هذه الحضارة كانت قد فقدت واندثرت لولا أن أعاد شامبليون اكتشافها، بعد أن حدثت القطيعة مع التراث الفرعوني أو المصري الذي اختفى مع اختفاء آخر كاهن من كهان الديانة المصرية القديمة والذين كانوا يستخدمون الكتابة باللغة المقدسة المعروفة بالهيروغليفية، حيث استعار المصريون المتحولون إلى المسيحية من اليونانيين حروفهم الأبجدية لنكتب بها لغتنا المصرية التي أصبحت تسمى بعدها باللغة القبطية، كما استعاروا منهم الجلباب البلدي الذي لا زلنا نستخدمه حتى اليوم.

إن أخطر ما يمكن أن يحدث هو تقسيم مصر عنصريا إلى أقباط وعرب، فالحقيقة كما قال الأسقف أن من يأتي لزيارة مصر ويمشي في الطرقات لن يجد اختلافات واضحة تميز بين المسلمين والمسيحيين الذين يتحركون سوياً بسلاسة ومودة في الأماكن العامة، وهذه ليست الطبقة السطحية للمعاملات واللقاءات كما قال نيافته، ولكنها الطبقة العميقة التي نراهن عليها والتي نعمل على إظهارها بإزالة الصدأ الذي تراكم على سطحها في السنوات الأخيرة، وسواء اتفقنا على عروبة مصر أو اختلفنا حولها فعلينا أن نتذكر أن التمييز الديني أو التمييز العنصري الذي يؤسس له الأسقف يمكن أن يمزق مصر وإذا حدث هذا لا قدر الله فلن يكون هناك وطن لنختلف حول هويته.


No comments: