الفصل الرابع
عقدة اعتماد المستَعْمَر على المستَعْمِر المزعومة
باسم عالم ليس فيه مسكين يعدم بلا محاكمة،
ليس فيه بائس يعذب، باسم اناس لا يذلون ولا يقتلون
آمي سيزار
حين استقليت هذه الدراسة، لم تكن لدي مادة غير بعض المقالات التي كتبها مانوي ونشرت في مجلة "سايكي"، وكنت افكر في الكتابة لدكتور مانوي لاسأله عن النتائج التي توصل اليها عبر دراسته. ثم علمت بعد ذلك انه جمع كل افكاره في كتاب. وقد نشر هذا الكتاب تحت عنوان "بروسبيرو وكاليبان" (كاليبان ده شخصية المتوحش في مسرحية العاصفة بتاعة شيكسبير، هو كان صاحب الجزيرة وببجاحة رايحين ياخدوها منه وكمان سي شيكسبير زعلان انه متضايق منهم، ملحوظة: كاليبان حروف اسمه زي حروف كانيبال يعني اكل لحوم البشر، وكمان شيكسبير قال في احد المشاهد ان امه جزائرية وساحرة وشكلها يخوف: عينيها زرقا وسمرا....مش عارفة عينيها زرقا وسمرا دي تبقى زي القمر، مابيفهمش في النسوان شيكسبير ده...آه...ماهو كان...ماعلينا ما تجوزش عليه الا الرحمة/جبهة) ولنبدأ في فحص هذا الكتاب.
قبل ان نبدأ في التفاصيل، يجب ان اقول ان الكتاب يتمتع بفكر تحليلي صادق، حيث انه عايش الازدواجية المتأصلة في الاستعمار وبذلك فتمكن مستر مانوي ان يفهم – بشكل مرهق جدا – للنفسية التي تحكم العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر.
اهم سمات هذه الدراسة انها تحقق قسطا من الاعياء لقارئها. لكن علينا الا نفقد البصيرة لرؤية الواقع.
اقترح ان نبين، بالرغم من انه الف 225 صفحة، ان السيد مانوي لم يفهم الاحداثيات باكملها واقعيا.
حين يبدأ الانسان في محاولة لفهم العلاقة بين اناس مختلفين فيجب ان يكون حريصا على صعيدين.
يستحق مانوي الشكر على انه قدم في الدراسة عنصرين مهمين، بل لهما الاهمية المطلقة.
التحليل السريع يبدو فيه انه تم تجنب الذاتية في هذا المجال. فدراسة السيد مانوي مخلصة في هدفها، حيث تبين استحالة تفسير الانسان خارج حدود قدراته على قبول او رفض موقف معين. وعليه فان المشكلة في الاستعمار لا تشتمل فقط على العلاقات بين ظروف تاريخية موضوعية، ولكن ايضا على السلوك الانساني حيال هذه الظروف.
وبنفس الطريقة، يمكنني ان اشترك في في هذا الجزء من دراسة السيد مانوي التي تهدف الى تشخيص الحالة المرضية للصراع – اي تبيان ان المحتَل يسعى الى احتلال الاخر لاخماد احساسه الدائم بعدم الرضا اذا تبنينا نظرية ادلريان التعويضية.
في نفس الوقت، اجد نفسي لا اتفق معه حين اقرأ جملة كهذه: “حين يتم عزل مالجاشي بالغ في بيئة مختلفة يصبح سريع التأثر للنموذج النمطي للدونية وهذا يثبت ان جرثومة الشعور بالدونية كانت كامنة بداخله منذ الطفولة". حين اقرأ هذه الجملة اشعر بانقلاب الموازين، والموضوعية المزعومة للمؤلف تهدده بالوقوع في الخطأ.
وبالرغم من ذلك، حاولت ان اعيد قراءة هذه الجملة في سياق هدف الكتاب: “الفكرة المركزية هي ان المواجهة ما بين `المتحضر` و`البدائي` تخلق حالة خاصة – وهي حالة الاستعمار – وتجلب ضرورة خداع الجماهير وتزييف فهمهم حيث ان التحليل النفسي هو الوحيد القادر على وضع يده على هذا الخداع والتزييف وتعريفه. “ وبما ان هذه نقطة انطلاق مانوي، فلماذا يريد ان يجعل بذرة عقدة الدونية تسبق فعل الاستعمار؟ هنا يمكننا ان نرى الالية التي تفسر ذلك في علم النفس: هناك عناصر كامنة لا يعلن عنها الا مع حدوث صدمة. وهناك تفسير خاص بالطب البشري: ظهور الدوالي، ليس سببه وقوف المرء على قدميه لمدة عشرة ساعات، وانما لضعف في تكوين جدار الشرايين، والوقوف لمدة طويلة هو مجرد عامل مساعد او تكميلي. وبذلك فان شركات التأمين تجد مفرا من تحمل مسئولية المؤمن عليه اذا ما اصيب بالدوالي.
قبل ان ندرس استنتاجات السيد مانوي بالتفصيل، احب ان اعلن عن موقفي بوضوح، للمرة الاخيرة سأقرر هذا المبدأ: المجتمع س هو اما عنصري او لا، وحتى نجد الدليل الدامغ، يجب وضع الكثير من المشاكل جانبا، الحديث، على سبيل المثال، عن ان شمال فرنسا اكثر عنصرية من جنوبها، وان العنصرية هي نتيجة عمل متتابع وبالتالي فهي لا تتضمن الطبقة الحاكمة، وان فرنسا واحدة من اقل الدول عنصرية في العالم، كل هذا الكلام هو نتاج لاناس غير قادرين على التفكير السليم.
وليثبت لنا السيد مانوي ان العنصرية ليس لها علاقة بالاوضاع الاقتصادية، يذكرنا بان العمال البيض في جنوب افريقيا يحملون نفس العنصرية التي يحملها الموظفون والمديرون.
آمل ان تغفروا لي حين اقول ان هؤلاء الذين اخذوا على عاتقهم توصيف الاستعمار عليهم ان يتذكروا شيئا واحدا: انه من الرومانسية بمكان ان تحاول ان تقول ان التصرف اللا انساني الفلاني يختلف تماما عن التصرف اللا انساني الاخر. ليس لدي الرغبة لزيادة مشاكل العالم، لكنني ببساطة اريد ان اسأل السيد مانوي، هل يعتقد انه بالنسبة لليهودي هل يفرق بين معاداة موراس (كاتب فرنسي) للسامية وبين معادات جويبيلز (الماني) للسامية؟
بعد عرض مسرحية "العاهرة المحترمة" في شمال افريقيا، قال احد الجنرالات لسارتر: سيكون شيئا جيدا اذا عرضت مسرحيتك في افريقيا السوداء، انها تبين كم ان السود اكثر سعادة في فرنسا عن اخوتهم الذين في امريكا.
انا اومن بصدق ان التجربة الشخصية لانسان يمكن يفهمها الاخرون؛ وانه ليس من دواعي سروري ان اقول ان مشكلة السود هي مشكلتي انا، ومشكلتي انا وحدي، ودراستها امر يخصني وحدي. (يا كميلة/جبهة) ويبدو لي ان السيد مانوي لم يحاول ان يضع نفسه مكان الاسود اليائس الذي يواجه عنصرية الابيض. بدنيا وعاطفيا. ليس لدي اي نية ان اكون موضوعيا (يا حبيبي...يا حبيبي...يا كميلة..اديلو) الى جانب ان الموضوعية ستكون غير صادقة، فانه ايضا مستحيل علي ان اكون موضوعيا.
هل هناك فرق بين اي عنصرية واخرى؟ اليسوا جميعا يمثلون انهيارا وافلاسا انسانيا؟
No comments:
Post a Comment