اتفضلوا:
لكنهم – اي السود - لا يشتكون ابدا مما ذكره الكاتب، وهذا هو الاثبات:
قبل الفجر بساعة، بعيدا عن امي وابي، كان كل الكوخ محطما ومليئا بالبثور، كأنه اقترف خطيئة وعوقب بالغليان، والسقف المتهالك من الجو، مرقع هنا وهناك بقطع من بقايا علب النزين، وكل هذا يترك بركا من الصدأ في الطين الرمادي ذو الرائحة الكريهة الذي يجمع اعواد القش سويا. وحين تصفر الريح كل الرقعات تحدث صوتا غريبا، وكأنه ازيز في طاسة القلي، ثم كجسم مشتعل القي به في الماء تحت وابل من الشرر المتطاير، والسرير المكون من الواح خشبية والذي ينام ويقوم عليه ابناء عرقي، كل ابناء عرقي، ينامون على هذا السرير ويقومون مشتعلين من فوق هذا السرير الذي يبدو وكأنه تحول الى فيل مغطى بجلد الماعز واوراق الموز المجففة والمهلهلة وشبح مفرش السرير المملوك لجدتي. (فوق السرير هناك قدرة مملوءة بالزيت وتنتهي بشمعة مضاءة نارها تشبه اللفت السميك، وعلى احدى جوانب القدرة مكتوب بحروف من ذهب: ميرسي)
من كتاب آمي سيزار
ويقول ببؤس:
هذا التصرف، هذا السلوك، هذه الحياة المقيدة في العار والكوارث تثور، تكره نفسها، تقاتل، تعوي، ويسألون ربهم: ماذا ستفعل حيال هذا؟
افعل شيئا..
افعل ماذا؟
افضل ما يمكن فعله في هذه الحالة هو انهاء العالم، نهاية العالم التي يكتبها الرب.
(نفس المصدر السابق)
ما نسيه السيد مانوي ان المالاجاش فقط هم الذين اختفوا، نسي ان المالاجاش موجودون فقط مع الاوروبيين. كما ان وصول الاوروبيين الى مدغشقر حطم الافق والنفس. كما اشار كل الناس، البديل للاسود لم يكن الاسود، بل كان الابيض. في جزيرة مثل مدغشقر، تم غزوها في ليلة من قبل "رواد الحضارة" حتى ولو عانى هؤلاء الرواد، وفقدوا تكوينهم الاساسي. مانوي نفسه يضيف: “الملوك البسطاء كانوا قلقين من امتلاك الرجل الابيض لهم"
(وده آخر كلام ليا بالفصحى يا فصحى عم خليل الاوزعا وبعد كده سنية ح تقرا من غير النقط بقى وح اترجم بالعامية وعلى فكرة هي مناسبة لاسلوب فانون الساخر، فيه افيهات كتير ما عرفتش انقلها بالفصحى في اللي فات هو اصله فقري وصايع)
وبتفسير ان الواحد في اطار النسق الطوطمي السحري (يعني في اطار التابوهات يعني) وبسبب احتياجه للاتصال باله رائع، ولانه في احتياج عشان يثبت ان النظام الاعتمادي نظام كويس، ممكن يبقى عايز يسيطر بشكل مطلق، الا ان فيه حقيقة واحدة ثابتة وماحدش يقدر يتجاهلها، ان فيه حاجة جديدة بتحصل وبتتكون على جزيرة مدغشقر، لا هي اوروبية ولا هي مدغشقرية (تمشي مدغشقرية دي؟) وان الاوروبيين لازم يبتدوا يوطنوا نفسهم على اساسها، والا اي تحليل تاني ح يبقى خاطئ ومزيف وملغي.
فيه عنصر جديد اضيف دلوقت، ومن الواجب اننا نبتدي نفهمه ونفهم العلاقات الناتجة عنه.
نزول الاوروبيين في جزيرة مدغشقر تسبب في جرح لا يغتفر، ونتائح الاقتحام الاوروبي لمدغشقر ما كانتش نتائح نفسية بس، لان فيه علاقة ما بين الوعي والمنظومة الاجتماعية.
طيب والنتائج الاقتصادية؟ ايه ده؟ واحنا معقول نتجرأ برضه نحاكم الاحتلال؟
طب ماعلينا خلينا في دراستنا ونرجع ناخد مقتطف من مانوي تاني:
بقول آخر، الملاجاش ما استحملوش انهم يبقوا بيض، واكتر حاجة آلمت الملاجاشي هو انه عارف انه انسان (بالتعريف) وبعدين يكتشف ان الناس بتتقسم بسبب الوانهم بيض وسود، ولو الملاجاشي اللي حاسس انه اتخان وتم تجاهله حاول يكمل تعريف نفسه ح يطالب بحقه بصوت عالي: ح يطالب بالمساواة بمنهج وطريقة عمرهم ما جم على باله اصلا، المساواة اللي هو بيطالب بيها، شكلها كده قبل ما يبتدي يطالب بيها شكلها حلو وح تحل له مشاكله، لكن اول ما يبتدي يطالب بيها ح يتبين له ان مش دي المطالب الكافية لعلاج مرضه. لان كل ما المساواة بتزيد كل ما الفروق اللي فاضلة بتوجع الواحد اكتر، لان فيه من الفروق دي حاجات مش ممكن تتمحي، وهو ده الطريق اللي بيسلكه الملاجاشي بيبتدي من نقطة الاعتماد على المستعمر وينتهي بنقطة الاحساس بالدونية.
تاني بنصطدم بسوء الفهم من السيد مانوي، الحقيقة انه واضح قوي ان المالاجاشي ح يقبل فرق اللون وح يقبل حقيقة انه مش ابيض، لان المالاجاشي مالاجاشي، لا..مش قصدي، خليني اصحح، المالاجاشي مش ملاجاشي، الملاجاشي بيعيش فكرة انه ملاجاشي وبس. يعني هو اصلا ما فكرش في هويته الملاجاشية غير لما الرجل الابيض جه، واصلا ما قعدش يلح ويقول انا انسان، ويسأل نفسه بينه وبين نفسه انا انسان وللا لا، الا عشان الرجل الابيض فهمه انه مش انسان. بقول آخر، انا باعاني من كوني مش ابيض على قد ما الابيض بيمارس التمييز والاضطهاد علي، ويحتلني، ويسرقني، وينزع خصوصيتي، وقيمتي، واني متطفل على العالم، واني لازم بقى اتقدم عشان اقرب من مستواه، اني "وحش كاسرن اني انا واهل وطني مجموعة من الروث ماشية على الارض، وان مجموعة الروث دي، اللي هي احنا، بنفرز قصب سكر، وقطن، واني ماليش لازمة في الدنيا" (من كتاب امي سيزار)، ونتيجة لكل الكلام ده ح احاول اني اعمل نفسي ابيض، بمعنى اني احاول اجبر الرجل الابيض انه يعترف اني انسان. بس طبعا السيد مانوي بيقول، ولا حتى نقدر نعمل كده، عشان احنا اصلا عندنا عقدة الاعتماد على الاخر. وبيقول: “مش كل الناس قابلة للاستعمار، بس الناس اللي عندهم احتياج انهم يعتمدوا على غيرهم هم اللي بيستعمروا من قبل الدول التانية" وبعدين يرجع يقول لنا: “اي مكان راحه الاوروبيين عشان يحتلوا كان فيه توقع داخلي عند السكان الاصليين، وخلينا نقول كان فيه رغبة كمان من السكان الاصليين، ان الاوروبيين ييجوا يحتلوهم. في كل مكان فيه قصص اسطورية عن الاغراب اللي بييجوا من البحر وهم جايبين معاهم اعاجيب وهدايا"، يعني بقى نقدر نستنتج ان كمان الرجل الاوروبي بيخضع لعقدة السيطرة وبيستجيب لها، عقدة القيادة، بينما الملاجاشي بيستجيب لعقدة الاعتماد على الاخر، وتوتة توتة فرغت الحدوتة وكل الناس مبسوطة، احنا مالنا بقى؟
لما بيطرح السؤال ليه المدغشقريين بيقولوا على الاوروبيين "فازاها" بمعنى الاجنبي المحترم، وليه كان الاهالي بيرحبوا بالاوروبيين اللي سفنهم كانت بتتحطم على شواطئ مدغشقر، وليه اهل مدغشقر اصلا عمرهم ما عاملوا الاجنبي وحش، بدل ما يفسروا الظواهر دي ان ده من ذوقهم وادبهم وان حضارتهم بتفرض عليهم الترحيب بالضيوف زي ما سيزار قال عليها "مجاملات الحضارة القديمة" بقى يفسروها على ان الترحيب ده سره نبوءات هيروغليفية ورغبات في اللا وعي بتخليهم ح يموتوا عايزين يستعبدوا للرجل الابيض. آه، اللا وعي، عارفينه ده مافيهوش حاجة جديدة واتكلمنا عليه، بس ايه الاستنباطات اللي مالهاش اساس دي؟ مرة واحد زنجي حكى لي حلم حلمه: “كنت ماشي بقالي مدة طويلة، وكنت تعبان قوي، كان عندي احساس ان فيه حاجة مستنياني، قعدت اتسلق المتاريس والحيطان، لحد ما وصلت لصالة فاضية، ومن ورا الباب سمعت دوشة، في الاودة التانية كان فيه راجل ابيض، وبعدين ببص على نفسي لقيتني انا كمان ابيض"، لما باحاول افهم الحلم ده واحلله، خصوصا اني عندي خلفية ان صاحبي عنده مشاكل في شغله، اقدر استنتج منه ان الحلم ده بيحقق امنياته اللي في اللا وعي. لكن برة العيادة وبرة الحالة الخاصة دي اقدر اني ادمج الحلم ده في العالم المحيط بينا وممكن اوكد لكوا:
1- ان مريضي عنده عقدة دونية. وتكوينه النفسي مهدد بانه يبقى مش متكامل، واللي مفروض يتعمل اني اساعده في انه يتخلص من رغباته اللا واعية واحدة واحدة.
2- اذا كان هو نفسه قوي يبقى ابيض كده، فده لانه عايش في مجتمع بيأكد عقدة النقص عنده، الحقيقة المجتمع اللي هو عايش فيه بيحتفظ باستقراره من خلال استمرار عقد النقص عنده، وده لان المجتمع ده بيدعي التفوق العرقي، وعليه فهم بيخلوا حياته مستحيلة عشان يخلقوا عقدة النقص جواه، والنتيجة الطبيعية انه غصب عنه بيلاقي نفسه في حالة عصابية.
يبقى احنا محتاجين تحرك مزدوج تجاه الفرد ده، وتجاه المجتمع كمان، وبما اني محلل نفسي، فانا واجبي اني اساعد المريض انه يبقى واعي باللا وعي بتاعه وانه يبطل هلوسات انه نفسه يبقى ابيض، بس في نفس الوقت لازم ادفعه انه يحاول يغير التكوين الاجتماعي اللي اتسبب له في المرض.
بمعنى ان الانسان الاسود مش ح يفضل طول عمره عايش في معضلة: يا تبقى ابيض يا تختفي من الوجود، هو لازم يبقى مدرك انه من حقه يبقى موجود ايا كان لونه، ولو المجتمع بيعمل له مشاكل عشان لونه، فهو بيبقى عنده احلام بانه يغير لونه لان ده سبب المشاكل، ونصيحتي له مش انه يقبل المشاكل عشان مش ح يعرف يغير لونه، بالعكس، لكن ح احاول اني اخليه واعي بابعاد المشكلة في اللا وعي بتاعه وفي المجتمع واخيره ما بين انه يا اما يبقى سلبي ويفضل يحلم، يا اما ياخد خطوة ويبقى ايجابي ويحاول يغير التكوين الاجتماعي ده.
نرجع بقى للسيد مانوي، هو عايز يبحث المشكلة من كل الزوايا، جميل، عشان كده ما اغفلش نقطة اللا وعي عند الملاجاشي، وعشان كده حلل سبع احلام: سبع احلام اتحكوا عشان يكشفوا لنا اللا وعي، ح نلاقي ان في ستة منهم الموضوع الرئيسي بتاعهم هو الرعب. الاحلام لستة اطفال وواحد بس كبير، بنشوفهم وهم بيترعشوا، عايزين يطيروا، تعساء:
الحلم بتاع الطباخ: كان بيجري ورايا تور اسود غضبان، كنت مرعوب، تسلقت شجرة وفضلت فوقها لحد ما الخطر زال، ونزلت وانا باترعش من الخوف.
الحلم بتاع طفل عنده تلاتاشر سنة: كنت باتمشى في الغابة، قابلت اتنين سود، قلت: اخ...انا كده قضي عليا، كنت باحاول اهرب بس ما عرفتش اجري، اعترضوا طريقي وفضلوا يرطنوا بلغة غريبة، كنت معتقد انهم بيقولوا: ح نوريك ايه هو الموت، كنت باترعش من الخوف وقعدت اترجاهم،: من فضلك ياسيدي، خليني امشي، انا خايف قوي، واحد فيهم كان بيفهم فرنساوي، ومع ذلك قالوا: ح ناخدك للرئيس بتاعنا، لما مشينا، خلوني امشي قدامهم ووروني المسدسات بتاعتهم، كنت خايف قوي، بس قبل ما نوصل للمعسكر بتاعهم كان لازم نعدي نهر، غطست في المية، ولاني كنت مصحصح اخدت بالي ان فيه صخرة محفور فيها كهف فدخلت واستخبيت فيها، ولما الراجلين مشيوا جريت على بيت ابويا وامي.
حلم جوزيت: الحالمة بنت طفلة، شافت في الحلم انها كانت تايهة ولقت جذع شجرة فقعدت عليه، جات ست لابسة ابيض وقالت لها انت قاعدة كده، انتي في وسط عصابة من اللصوص، فقالت لها: انا في المدرسة، وانا راجعة تهت في السكة، انا كنت مروحة البيت، الست ام فستان ابيض قالت لها: امشي في الطريق ده يا بنوتة وح تلاقي الطريق اللي انتي عايزاه.
الحلم بتاع رزافي، عنده 14 سنة: كان بيجري ورايا عساكر سنغال بيعملوا صوت زي الحصنة الجامحة وهم بيجروا ورفعوا عليا المسدسات، وبعدين هربت باني اختفيت، وطلعت على سلم في الطريق وفي اخره لقيت بيتنا.
الحلم بتاع الفين، عندها تلاتاشر اربعتاشر سنة: حلمت ان تور اسود بيجري ورايا، كان كبير وقوي، راسه كانت عليها نقوش بيضا، وعنده قرنين كبار ومدببين قعدت افكر في عقل بالي واقول: حاجة تخوف قوي، والطريق عمال يضيق، اعمل ايه؟ رحت ناطة على شجرة مانجة، بس التور هز الجذع بتاعها، يالهوي وقعت وسط الشجر، وبعدين طعني بالقرن بتاعه ومصاريني طلعت وهو اكلها.
الحلم بتاع رازا: سمع في الحلم ان حد بيقول السنغاليين جايين وهو قاعد في المدرسة، بيقول: خرجت في حوش المدرسة عشان اشوف، ولقيت السنغال جايين فعلا جريت على البيت بس لقيت البيت هم كسروه.
الحلم الاخير لولد عنده اربعتاشر سنة:
كنت ماشي في الجنينة وبعدين حسيت بخيال ورايا، كل اوراق الشجر حواليا كانت بتعمل صوت حفيف وبعدين تقع، كأن فيه حرامي مستخبي وسط الشجر، ومستني عشان يمسكني، طول ما انا ماشي في الازقة الخيال ورايا، فجأة خفت قوي ورحت جاري بس الخيال اللي ورايا اخد خطوة واسعة وايديه كبيرة قوي حاول يمسك هدومي، حسيت بقميصي بيتقطع ورحت صارخ، ابويا نط من السرير لما سمع صوتي وجه عشان يشوفني واختفى الخيال وانا ما بقتش خايف تاني.
من عشر سنين استغربت قوي لما عرفت ان بتوع شمال افريقيا بيحتقروا الملونين. كنت هناك وما كنتش عارف اتفاهم مع الناس خالص عشان لوني، (يادي الفضايح...هو احنا يعني كنا شق اللفت؟) وسبت شمال افريقيا ورجعت فرنسا وانا مش فاهم سر العداوة دي ايه؟ في نفس الوقت كان فيه شوية حاجات خلتني ارجع افكر تاني، الفرنساويين شكلهم مش يهودي، واليهود شكلهم مش عربي، والعرب شكلهم مش زنجي....قالوا للعرب: “انتوا فقرا عشان اليهود استنزفوكوا وسيطروا على الاقتصاد وفقروكوا" وقالوا لليهود: “انتوا مش زي العرب دول، انتوا احسن، انتوا بيض، وعندكوا اينشتاين وبيرحسون" وقالوا للزنوج: “انتوا احسن جنود في الجيش الفرنسي، العرب فاكرين نفسهم احسن منكوا، بس هم غلطانين". بس الكلام ده مش صحيح، الزنجي ماحدش قال له حاجة لان مافيش حد عنده حاجة يقولها له، المقاتل السنغالي هو مقاتل، المحارب الكويس اللي بيسمع الكلام، الشجاع المطيع:
ممنوع الدخول
ليه؟
مش عارف..هو ممنوع الدخول
الرجل الابيض ما يقدرش يتحمل كل المسئوليات لوحده، عشان كده بيرمي الشغل الوسخ في "الطين" اللي هو العناصر التانية، انا عندي اسم للعملية دي: التوزيع العنصري للاحساس بالذنب.
انا قلت ان فيه حاجات كتير كانت بتدهشني وتفاجئني، كل ما تحصل عملية تمرد القيادة الفرنسية ما تسلطش على المتمردين غير الملونين اللي زيهم. الملونين هم اللي بيقمعوا حركات التحرر بتاعة الملونين. عشان يثبتوا ان مافيش داعي لاننا ندي للعملية ابعاد عالمية، اذا كان العرب عديمي النفع عايزين يثوروا، فهم مش بيثوروا غير عشان يخلصوا من شوية السود دول.
(ملحوظة: ام زينب امبارح كانت بتقول لي الغلابة دايما ييجوا على بعض قوي/ جبهة)
من وجهة النظر الافريقية، فيه شاب اسود قال في الاجتماع الكاثوليكي الخمسة وعشرين اثناء الكلام عن مدغشقر: “انا عايز اعترض على ارسال القوات السنغالية واستغلالهم بشكل سيء في مدغشقر"، وعرفنا من بعض المصادر ان احد اللي كانوا بيعذبوا تناناريف في قسم البوليس كان سنغالي. وعليه، وبما اننا عارفين كل ده، وبما اننا عارفين النموذج السنغالي بيمثل ايه بالنسبة للملاجاشي، فتبقى اكتشافات فرويد مالهاش لازمة عندنا هنا. اللي مفروض نعمله اننا نرجع الاحلام دي لتوقيتها الحقيقي، والتوقيت ده كان في مرحلة ما تمانين الف ملاجاشي اتقتلوا – يعني واحد كل خمسين نفر ونرجع الاحلام دي لمكانها الحقيقي برضه، والمكان الحقيقي هو جزيرة مكونة من اربعة مليون نسمة، ومافيش اي استقرار في العلاقات، وفيه ثورات في كل مكان وفي كل اتجاه، والاكاذيب والفوضى ماليين الجزيرة. (هامش من المؤلف: وبالمناسبة دي ممكن نجيب حتة من شهادة تناناريف في المحاكمة: 9 اغسطس، تناناريف راكوتوفاو،
مستر بارو قال لي: بما انك رافض اللي انا لسة قايلهولك انا ح ابعتك لاودة التفكير، اخدوني اودة، اودة التحقيقات كانت متغطية بالمية، كان فيه جردل مليان مية وسخة، وحاجات تانية، وبعدين السيد بارون قال لي: دلوقت ح اعلمك ازاي توافق على كلامي وتعترف. وبعدين قال لواحد سنغالي يعمل فيا اللي عمله في التانيين، السنغاليين خلوني اركع وايديا قدامي وبعدين اخد لسان خشب وراح رابط ايديا جامد في بعض، وبعدين وانا على ركبي وايديا مضغوطين في بعض، حط رجله على قفايا وراح زاقق راسي جوة الجردل، اخد بالي اني على وشك اني يغمى عليا فشال رجله شوية عشان اعرف اتنفس، وفضل يكرر الحكاية دي كتير لحد ما تعب خالص، وبعدين السيد بارون قال له خدوا بعيد واضربه، كان السنغاليين بيستعملوا كرباج مصنوع من جلد التور، والسيد بارون جه وجلدني حوالي خمستاشر دقيقة، اظن بعد ما قلت اني مش قادر استحمل، لانه بالرغم من اني شاب بس كان الجلد لا يحتمل، فهو وقف شوية وقال لي على شرط توافق على كل اللي قلتهولك. قلت له: لا يا سيدي، لانه مش صحيح، راح بعتني لاودة التعذيب التانية وبعت لي سنغاليين تانيين، وبعدين طلب منهم انهم يمسكوني من رجليا ويغطسوا راسي لحد صدري في الجردل، عملوا الحكاية دي كتير قوي، في الاخر قلت لهم كفاية انا عايز اتكلم مع السيد بارون، اخدوني للسيد بارون قلت له: انا ماليش طلب غير اني اتعامل بما يتناسب مع فرنسا، فقال لي: هي دي المعاملة الفرنساوي.
ولاني ما كنتش قادر استحمل قلت له طيب انا ممكن اقبل باني اعترف بالجزء الاول من كلامك فقال لي لا، مدام قبلت تكذب يبقى يا تقوله كله يا اما ما تقولش حاجة خالص،
(وتستمر الشهادة)
مستر بارون قال حاولوا معاه بالطرق التانية، اخدوني للاودة الملحقة تاني، كان فيها سلم حجري صغير، ايديا كانت مربوطة ورايا، السنغاليين علقوني من رجليا في الهوا وخلوني اطلع وانزل براسي على السلم، ما كنتش قادر استحمل، بالرغم من ان كان لسة عندي قوة معنوية بس جسمانيا ما كنتش قادر، قلت لهم قولوا للريس بتاعكوا انا موافق على كل حاجة.
(اغسطس 11، روبرت، متهم)
البوليس مسكوني من ياقة القميص وضربوني بالشلوت في ضهري وبالبونية في وشي، وبعدين اجبروني على الركون والسيد بارون فضل يضربني جامد، مش عارف امتى جه ورايا وحسيت بحديدة سخنة قوي في رقبتي، حاولت احمي رقبتي بايدي واتحرقوا. المرة التانية ضربوني جامد لحد ما اغمى عليا، مش عارف ايه اللي حصل تاني، السيد بارون طلب مني اوقع على ورق وانا هزيت راسي انه لا، فالسيد بارون طلب من سنغاليين انهم ياخدوني شالوني تقريبا للاودة التانية، السنغالي قال لي: ما تعترف احسن لك انت ممكن تموت، السيد بارون قال له: انت ح ترغي معاه؟ ابتدي..، ايديا كانوا مقيدين ورا ضهري، اجبروني على الركوع، وراسي اتغطست في جردل مليان مية، قبل ما اتخنق طلعوا راسي، وفضلوا يكرروا الحكاية دي لحد ما اغمى عليا. انتهت شهادة الشهود، وطبعا مافيش حد في الدنيا مش عارف ان راكوتوفو اخد اعدام، طيب لما نقرا الكلام ده، نقدر نعرف ان السيد مانوي اغفل نقطة مهمة قوي في تحليلة: التور الاسود والرجالة السود المرعبين هم ببساطة السنغالي اللي بيعذب/ انتهى هامش المؤلف)
لازم نعترف ان في بعض الاحيان وتحت ظروف معينة المجتمع بيبقى اهم من الفرد، انا ح اخد مقتطف من بيير نافيي:
لما نتكلم عن مجتمع بيحلم، وكأننا بنتكلم عن فرد بيحلم، ولما نتكلم عن الرغبة الجمعية لامتلاك القوة وكأننا بنتكلم عن رغبات الفرد الجنسية، لما بنعمل كده بنبقى بنعكس ترتيب الاشياء الطبيعي، لان الظروف الاجتماعية والاقتصادية للصراعات الطبقية هي اللي بتشرح وبتحدد الظروف الواقعية الي بتخلق اتجاهات الفرد الجنسية، ولان محتوى احلام الفرد بيعتمد في تحليلها النهائي على الثقافة اللي عايش فيها الفرد.
يبقى بقى، التور الاسود مش هو القضيب، والاتنين السود مش هم نموذجين للاب – واحد الاب الحقيقي وواحد الجد اللي منه جه العرق، هنا بقى التحليل الشامل للاحلام، وعلى نفس الاساس برضه اللي السيد مانوي اعتمد عليه في تفسيراته "طائفة الاموات والاحياء في الاسرة". ايه بقى التحليل بتاعنا؟ المسدس بتاع الجندي السنغالي مش العضو الذكري ولا حاجة زي ما السيد مانوي قال، ده مسدس حقيقي، موديل 1916. والتور الاسود مش الارواح المتجسدة، وانما دي تخيلات حقيقية في الواقع بتقتحم الاحلام، ايه النموذج النمطي اللي بتقدمه الاحلام دي، اذا ما كانتش بتقدم العودة للطريق الصحيح؟ ساعات فيه جنود سود، وساعات تيران سودا مزركشة باللون الابيض على راسها، وساعات، بصراحة شديدة ست بيضا طيبة قوي. مافيش تحليل منطقي للاحلام دي غير ان اللا وعي موجود فيه الاتي: “لما تخرج من الروتين يبقى انت ح تتوه في الغابة، وهناك ح تلاقي بقى تور اسود بيطاردك ويخوفك، وبشكل عشوائي وانت بتجري منه ح ترجع البيت تاني". يبقى افضلوا في مكانكم يا ملاجش واهدوا كده ومافيش داعي للمشاكل.
بعد ما السيد مانوي شرح نفسية الملاجاش، اخد على عاتقه شرح الاستعمار، وسبب وجوده، وفي السكة راح مزود عقدة كمان للكتالوج بتاعه: عقدة بروسبيرو. والعقدة دي هي مجموعة من امراض اللا وعي اللي بترسم صورة للمستعمر الابوي اللي عنصريته نابعة "من تصوره ان بنته تعرضت لمحاولة اغتصاب من كائن ادنى". بروسبيرو هو الشخصية الرئيسية في مسرحية العاصفة بتاعة شيكسبير، وعندنا شخصية ميراندا بنته، وكاليبان، بروسبيرو بيتصرف حيال كاليبان تصرفات يعرفها الناس في جنوب الولايات المتحدة الامريكية كويس قوي، مش الناس هناك البيض بيقولوا ان السود مستنيين اي فرصة عشان ينطوا على ست بيضا؟ على اي حال اهم حاجة في الجزئية دي في كتاب مانوي هي الكثافة اللي بيشرح بيها الصراع غير المحلول اللي موجود في جذور شغلانة الاستعمار دي، في الواقع هو بيقول لنا:
المستعمر وبروسبيرو الاتنين بيشتركوا في انهم ما يعرفوش اي حاجة عن عالم الاخرين، العالم اللي مفروض الاخرين يتم احترامهم فيه، وبيهرب من العالم ده لانه مش قادر يقبل الناس زي ماهم، ورفض العالم ده مخلوط برغبة في الهيمنة هي رغبة طفولية في الاصل والمجتمع فشل في انه ينظمها له.
السبب اللي المستعمر بيعلنه او بيقول ان عشانه هو ساب بلده – سواء بقى يقول انه عايز يسافر ويشوف الدنيا، او انه يهرب من الحواجز القديمة، او انه عايز يبقى على حريته اكتر – كل الاسباب دي في الواقع لما بيسافر مش بنشوف لها اي تبعات خالص. المسألة كلها انه عايز عالم من غير بني ادمين"
ولو زودنا على الكلام ده ان فيه اوروبيين كتير بيسافروا المستعمرات عشان يتغنوا بسرعة، وده كمان لان المستعمر عادة بيبقى تاجر الا فيما ندر، او على الاقل سمسار، بكده نقدر نفهم نفسية المستعمر اللي بيروح بلاد الناس ويحسسهم في ارضهم انهم ادنى واقل. وبرضه عقدة "الاعتمادية" او الاتكالية اللي عند الملاجاش واللي اتكلم عليها السيد مانوي، اذا حللناها ح نلاقي انها ما ظهرتش الا بسبب وجود الرجل الابيض في المكان. اما بخصوص تحليل السيد مانوي لعقدة الاتكالية اللي عند الملاجاش انها موجودة من زمان في اللا وعي وانها هي اللي رحبت بنزول الرجل الابيض الى ارضه، فانا شايف ان السيد مانوي جانبه الصواب في ده لان كلامه مالوش اي ادلة ولا اسانيد على ارض الواقع، واستنتاجه مش مطابق لا للوضع الملاجاشي ولا لمشاكلهم ولا حتى لامكانيات الملاجاشي في الوقت الحالي.
No comments:
Post a Comment