Friday 27 June 2008

الجزء الثاني من الفصل الثالث من جلد اسود اقنعة بيضاء

المفروض انه كان يخلص النهاردة بس انا ورايا معاد مهم ولازم انزل دلوقت مع انه فاضل صفحة واحدة بس، بس معلش اتسلوا في دي على ما اجيلكوا بالليل ان شاء الله واكمل الصفحة دي

احنا كنا وقفنا عن وصف جيرمان جو للمريض العصابي ودلوقت مع تعليق فانون على كلام جيرمان جو:


وصف رائع مناسب تماما لشخصية جان فينوس، حيث يقول لنا جان فينوس: “حين بلغت سن النضوج، وذهبت لاخدم وطني الذي تبناني وذلك في ارض اجدادي مما جعلني اتسأل هل انا لم اخن نفسي؟ لم يخني كل شيء؟ فالجنس الابيض لن يقبلني ابدا واحدا منهم تماما، وابناء جنسي يستنكرونني، هذا هو الموقف بالتحديد.” هذا السلوك الذي يشتمل على الاتهام المضاد للماضي، والتقليل من الذات، والاحساس بان احدا لا يفهمه كما يود هو ان يفهم. اسمع مرة اخرى لفينوس:

من يستطيع ان يصف تعاسة الهوتينتوتس (اسم قديم للعبيد السود معناه المتوحشين) الذين زرعهم

اهلهم في فرنسا في سن مبكرة ليصنعوا منهم فرنسيين؟ يوما بعد يوم محبوسون في مدرسة داخلية، هؤلاء الاطفال الذين كانوا احرارا وسعداء، تتحول سعادتهم واباؤهم يبكون: انه من اجل مصلحتكم. لقد كنت من الايتام الممزقين. وسأظل اتألم من ذلك بقية حياتي. في سن السابعة، القي بي، وقد كنت لا اعلم شيئا عن الحياة بعد، في مدرسة كئيبة، بعيدة، خارج المدينة. الاف الالعاب التي تبعث الحيوية على الاطفال لم تتمكن من مسح المي من الذاكرة. بسبب المدرسة احمل بداخلي هذا الحزن، والخوف من الاتصال الاجتماعي، والذي يسيطر على ابسط دوافعي. “


ومع ذلك هو يحب ان يحاط بالناس وان يكون برفقتهم. كره ان يتركه الاخرون، في اجازات المدرسة، كل الاطفال كانوا يذهبون الى منازلهم بينما هو يظل وحيدا – تذكر وحيدا – بمدرسة كبيرة وبيضاء:

آه يا ايتها الدموع الطفولية التي لم تجد احدا ليجففها. لن ينساها ابدا، لقد تعرف على الوحدة في سن مبكر جدا، كانت حياة معزولة كأنها في دير، حيث تعلمت التأمل والتفكر. حياة من الوحدة حركتها التفاهات بعمق – جعلتني اعاني من حساسية مفرطة طوال حياتي، وغير قابل عن التعبير عن احزاني وافراحي فابتعدت عن كل ما احببت، وادرت ظهري لكل ما جذبني رغما عني"


ماذا يحدث هنا؟ عمليتان. انا اريد ان اكون محبوبا، ولما لا؟ لانني في يوم من الايام، منذ زمن، حاولت ان اكون محبوبا ولكنني هجرت، لم اسامح والدتي ابدا، لانها هجرتني، وسأجعل غيري يعاني، والهجران هو وسيلتي للانتقام. سأذهب الى افريقيا: لا اريد ان اكون محبوبا وسأهرب من كل محركات الحب. وهذا ما تسميه جيرمان: ان تضع نفسك في الاثبات لتثبت شيئا.” انا لا اريد ان اكون محبوبا، وسأتبنى موقفا دفاعيا، واذا اصر المحب على الحب سأقول بوضوح: انا لا اريد الحب.

هل هو تقليل من قيمة الذات؟ أي نعم.

التقليل من شأن الذات والشعور بان الشخص غير مستحق للحب له نتائج خطيرة. لسبب واحد، لانها تجعل الفرد يظل في حالة عدم امان داخلي، وعليه فان هذا الشعور بعدم الامان يسيطر او يزيف كل علاقة مع الاخرين. وذلك لان الفرد من حقه ان يشعر بالتعاطف والحب لكنه غير متأكد من انه مستحق لهما. الافتقاد للتقييم الذاتي العاطفي موجود فقط في اولئك الذين عانوا من نقص الحب والفهم في طفولتهم"

(جيرمان جو)

فينوس يريد ان يكون رجلا مثل بقية الرجال. لكنه يعرف انه لن يستطيع. انه متسول، انه يبحث عن المهادنة، عن السماح له بالدخول لعالم البيض. بالنسبة له هنا "الاخر" :

الرفض العاطفي للذات يودي بمريض الهجران الى استحواذ احساس مؤلم بالاقصاء، بانه ليس له مكان في اي مكان، بانه من الزوائد البشرية على الصعيد العاطفي: انا الاخر. لقد سمعت هذا التعبير مرارا وتكرارا من مرضى الهجران، ان تصبح "الاخر" هو ان تشعر دوما ان في موقف مهزوز، ان تصبح دائما متحفز، مستعد ان يتركك الاخرون، وتقوم بلا وعي بفعل كل ما يستلزم ان يهجرك الاخرون.

من الصعب ان نبالغ في تقدير حجم الالم المصاحب لهذا الهجران، انه يذكر دوما بتجربة الطفولة المؤلمة وهذه الذكرى تمنح هؤلاء المرضى القوة على مجابهة الهجران الجديد.”


المصاب بالهجران العصابي يريد ادلة، انه لا يرضى بالتصريحات المنفصلة عن الادلة، انه لا يثق في احد، وقبل ان يقيم اي علاقة مع الاخر، يطالب بادلة من الطرف الاخر، وجوهر هذا التصرف هو "الا يقع في الحب حتى لا يتعرض للهجران" المصاب بالهجران العصابي يتسم بالنهم العاطفي، ذلك لانه يريد تعويضا عما سبق، انه يريد ان يحبه الاخر بشكل كامل ومطلق ودائم، اسمع:

العزيز جان،

تسلمت اليوم فقط رسالتك التي ارسلتها في يوليو الماضي، انه جنون كامل، لماذا تعذبني بهذه الطريقة؟ انت – هل انت واعي لهذه الحقيقة – انت قاسي الى ابعد الحدود. انت تعطيني السعادة ممزوجة بالقلق، انت تجعلني الاسعد والاتعس بين النساء في ذات الوقت، كم مرة يجب علي ان اقول لك اني احبك؟ وانني لك؟ وانني في انتظارك؟ تعالى"


واخيرا الذي يعاني من هجران الاخرين تمكن من ان يهجر هو. انه ينادى عليه، ان ثمة شخص يحتاج اليه، يحبه، ولكن، "علي الا اخدع، هل هي تحبني فعلا؟ هل هي تنظر الي بشكل موضوعي؟"


في يوم من الايام جاءنا رجل، صديق لدادي نيد، ولم يكن رأى بونتابونت من قبل، جاء من بوردو، لكنه يا الهي، كان قذرا، وكان قبيحا، هذا الشخص الذي كان صديقا لدادي نيد، كان وجهه اسود مخيف، اسود تماما، مما يوحي انه لا يستحم كثيرا"

ولأنه يبحث عن اسباب خارجية لعقدة سندريللا التي تتملكه، فان جان يوجه كل ترسانة العنصرية النمطية لطفل يبلغ ثلاثة او اربع اعوام، ويقول لاندريه: “قولي لي يا اندريه يا عزيزتي، بالرغم من لوني، هل تقبلين مني الزواج ان طلبته منك؟"

انه مليء بالشك بشكل مرعب، وهذا تعليق جيرمان جو على هذا الموضوع:

الخوف الاساسي الذي يتملك هذه الشخصية هو ان تظهر حقيقتها. هذا مجال واسع من المخاوف: خوف

من الاحباط، من عدم رضا، من الملل، من التعب، وبالتالي خوف من فقدان فرصة خلق صلة من العواطف مع الاخرين او افساد هذه الصلة ان كانت موجودة بالاساس. فيشك المريض في انه يستطيع ان يحوز حب الاخرين، حيث انه لديه خبرة سابقة في عرض نفسه كما هي ودون اصطناع على الاخرين والتعرض للهجران منهم حين كان طفلا.


ومع ذلك، فان حياة جان ليست خالية من التعويض، فقائمة قراءاته مذهلة، ومقالته حول سوريه عميقة، وهذا ايضا تحلله جيرمان جو: “محبوس داخل نفسه، منغلق داخل عالمه المصطنع، السلبي-العدواني يغذي احساسه بالخسائر التي لا يمكن اصلاحها من خلال الاستمرار في الخسائر او بسلبيته التي تكبده الخسائر. وعلى ذلك، باستثناء كفاءته الذهنية والمهنية، فانه ينمي احساسا بعدم القيمة...”

الى اين يقودنا هذا التحليل؟ لا لاي شيء الا لحقيقة مثبتة بان جان فينوس ليس كبقية الناس. يقول جان بول سارتر: ان تجعل الناس خجلى من مجرد وجودهم. نعم، ان تعلمهم ان يعوا الامكانات في الحياة التي حرموا انفسهم منها، السلبية التي استعرضوها في المواقف التي تحتاج الى تقديم الانسان لنفسه وكأنه قطعة فضة تدخل قلب العالم وتقتحم رتابته، تلك المواقف التي يحتاج فيها الانسان، اذا لزم الامر، لان يقطع سلسلة المتطلبات ويقف في مواجهة العالم.


جان فينوس هو بطل الحياة الداخلية، حين يرى اندريه مرة اخرى، حين يصبح وجها لوجه مع المرأة الوحيدة التي ارادها لشهور وشهور، يلجأ الى الصمت، بلاغة الصمت التي يعرفها اولئك الذين يعرفون "تكلف واصطناع الكلمات والتصرفات" . جان فينوس عصابي، ولونه هو مجرد محاولة لوصف تكوينه النفسي، لو لم يكن هذا العنصر موجودا، كان سيصنع مرضه من اللا شيء.

جان فينوس هو واحد من المثقفين الذين يحاولون ان يتبوأوا مكانا وحيدا على مستوى الافكار. فهو لا يستطيع ان يقوم باي اتصال مادي بالبشر، ولذلك فهل يعامل برقة؟ بطيبة؟ بانسانية؟ فقط لانه متعثر في بعض الاسرار. انه يعرف "هؤلاء الناس" وهو يقف متحفزا ضدهم. “يقظتي، اذا جاز التعبير، هي صمام الامان بالنسبة لي، بادب وبلا فن ارحب بمن يتقدمون نحوي، اقبل ان يدعوني احدهم الى الشراب وارد له الدعوة في مرة اخرى، امثل بعض الادوار الاجتماعية التي يلعبها الناس على مسرح الحياة، لكنني لا اسمح لنفسي بان اغش بالنوايا الحسنة الظاهرة لي، يتملكني الشك من المودة الزائدة التي، بسرعة، تحل محل العداء ومحاولة العزل التي يمارسونها ضدي في البداية.”

انه يقبل الدعوات الى الشراب، لكنه يردها، لا يريد ان يكون ممتنا لاي انسان، لانه اذا لم يرد العزومة فسيكون زنجي ناكر للجميل مثله مثل بقية الزنوج.

لانه من المستحيل الا يتم احتقاره، اذن فيبدو لي ان جان فينوس او كاتب القصة رينيه ماران ليسا اكثر من مرضى بالهجران العصابي، وهو يشغل مكانه، المكان المناسب، واكافح الا يكون جان فينوس هو الممثل الحقيقي لعلاقة السود بالبيض. وان اقول ان هذا الاسلوب العصابي في السلوك تصادف ان يصدر من رجل اسود، اذن فهدف دراستنا يتحدد اكثر فاكثر: ان نجعل الملون يفهم من خلال بعض الامثلة العناصر النفسية التي يمكن ان تصيب الزنوج بالاغتراب.

سأفرد لذلك فصلا كاملا لدراسة هذه الظاهرة. لكن علينا ان نتذكر ان هدفنا هو تحقيق علاقة صحية بين البيض والسود.

جان فينوس قبيح، انه اسود، وماذا اقبح من ذلك؟ حين نقرأ ملاحظات جيرمان جو المختلفة، فسنقتنع بالدليل ان رواية "رجل مثل بقية الرجال" هي عار، هي محاولة لجعل العلاقة بين الاجناس تعتمد على المرض الحقيقي. بلا جدال: في مجال التحليل النفسي كما في الفلسفة، فان الاصابة العضوية والخلل القانوني هما عرضان يجب الذهاب لابعد منهما لدراسة الظواهر النفسية التي تسببت فيهما. من وجهة النظر الارشادية يجب على الانسان ان ينكر العضوي، وتبقى الحقيقة، ان بعض الناس يبذلون جهدا ليضعوا انفسهم في تصنيفات جاهزة فهل يمكننا فعل شيء حيال ذلك ام لا؟


No comments: