انا فيه حد يهمني رأيه قوي قالت لي ان العامية احسن، وبعدين قالت لي مدام بتحبيه يبقى اكيد ح تعرفي توصلي له وتوصليه للناس، يعني ما تتدخلوش بيني وبين خطيبي انا باحبه وهو بيحبني، وارجو ان الكلام ده ما يجرحش مشاعر حد كل شيء قسمة ونصيب
:)
الجزء الاخير من الفصل الخامس:
في مكان ما ورا العالم المادي بتاع المزارع وشجر الموز وشجر المطاط، في الخفاء احيت العالم الحقيقي. جوهر العالم هو ثروتي، بيني وبين العالم بقى فيه علاقة من التعايش. اكتشفت العالم البدائي. ايديا اتكلمت وكلبشت في زور العالم وقطعته، الرجل الابيض حس بالحزن لانه اكتشف اني باهرب منه، واخدت حاجة معايا. فتش جيوبي، اندفع يفتش في كل زوايا مخي، ما لقاش غير الواضح، ما عرفش يلاقي الخفي. واضح اني عندي سر، حققوا معايا، حسوا ان حوليا غموض، وانا تمتمت:
توكوالي، يا عمو، فاكر الليالي اللي مرت
وانا راسي تقيلة ومركونة على صبرك
او
ماسك في ايدي وبتقودني بالظل وبتغني
والمزارع زهور حشرات سراج الليل
كأنهم نجوم على الاشجار
والصمت في كل مكان
ريحة الادغال بتدند وحشد من
النحل الاحمر بيملا المزارع
وصوت الايقاع: توم توم
بيتنفس في مدى الليل
انت يا توكوالي
بتسمع اللي ماحدش يقدر يسمعه
وبتفسر لي اقوال الاجداد
في الابراج الهادية السائلة
التور، والعقرب، والنمر، والفيل،
والسمك اللي نعرفه
وبهاء الروح في القوقعة السماوية
اللي مالهاش نهاية
بس دلوقت بييجي شعاع الهة القمر
وغطاء الظل بيقع
ليل افريقيا
ليلي الاسود
صوفي وبراق
اسود ولامع
(شعر ليوبولد سينجور)
عملت من نفسي شاعر العالم، والرجل الابيض افتاجئ بشعر بيتقال في اشياء عمره ما كان يتخيل انها شاعرية. روح الابيض فسدت، واحد صاحبي مدرس في الولايات المتحدة مرة قال لي: “وجود الرجل الاسود بجانب الرجل الابيض هو ضمانة للاحتفاظ بانسانية الابيض، كل ما البيض يحسوا انهم تحولوا لالات عمل يرجعوا للاسود ويستمدوا منه انسانيتهم". اخيرا اعترفوا بيا، انا مش صفر.
انا محتاج اغير طريقة تفكيري. بشكل عابر الرجل الابيض بيقول لي اني حلقة في تطور الانسان: “كل ممتلكاتك اخدناها، احنا عرفنا اسرار الارض اكتر منك، ارجع لتاريخنا وانت تعرف ازاي احنا تغلبنا على المصاعب". وجالي احساس اني بالف في نفس الدايرة، وباعيد نفس الدورة، اصالتي انتزعت مني. عيطت كتير، لساعات طويلة لما كنت بابتدي اعيش مرة تانية. بس انا بقيت مسكون بانماط متآكلة: ريحة الزنجي في جنسه...الزنجي طيب..في جنسه، الاسود ساذج...في جنسه برضه.
حاولت اهرب من نفسي من خلال عرقي، بس البيض رموا نفسهم عليا وسلوني. اختبرت حدود جوهري؛ بلا شك ضاع منه كتير. وهنا اكتشفت احسن اكتشافاتي، عشان اكون ادق، الاكتشاف ده كان اعادة اكتشاف.
قعدت ابحث بشكل مسعور في كل اثار الانسان الاسود. واللي لقيته فزعني، في كتاب "الغاء الرق" كتب شويلر يقدمنا للعالم بمنطق قوي، ومن ساعتها فوربيناس، ويسترنمان، ويدلافوس – وكلهم بيض – انضموا للكورس يرددوا وراه الكلام اللي قاله. سيجو، ديجينيه، مدن ساكن فيها مئات الالاف من البشر؛ اعداد من السود المتعلمين (علماء الدين اللي سافروا مكة والمدينة عشان يتعلموا القرآن والشريعة/ فانون) جه شويلر نبش تاريخنا وطلعهم من الماضي، ونشرهم، ولقيت لنفسي مكان محترم في التاريخ. الرجل الابيض كان غلطان، انا عمري ما كنت بدائي، ولا نص انسان، انا منتمي لعرق كان بيشتغل بالفعل في الدهب والفضة من حوالي الفين سنة. وكان فيه حاجة تانية، حاجة تانية الرجل الابيض ما قدرش يفهمها، اسمع:
من اي نوع من الناس كانو، وبعد كده، انتزعوا من اسرهم، وبلادهم، وديانتهم، بوحشية غير مسبوقة في التاريخ؟
كانوا ناس مهذبة، كانوا ناس محترمة، بالتأكيد كانوا احسن من اللي عذبوهم – اللي عذبوهم دول كانوا شوية مغامرين صيع انتهكوا افريقيا وقطعوها وتفوا عليها عشان يعرفوا يقلعوها هدومها بسهولة.
الناس اللي اتخطفت من حضن بلدها كانوا بيعرفوا ازاي يبنوا بيوت ويعمروها، وبيعرفوا ازاي يحكموا امبراطوريات، ويشيدوا المدن، ويزرعوا الحقول، وينقبوا عن المعادن، وينسجوا القطن، ويطوعوا الفولاذ.
ديانتهم جميلة جمال خاص، مبنية على علاقة روحانية مع مؤسس "المدينة" عاداتها مهذبة، مبنية على الوحدة، والطيبة، واحترام الكبير.
مافيش اكراه فيها، وفيها تكافل، وحب الحياة، والاحترام الحر للنظام.
نظام – صدق – شعر (سيزار كان فاكر القرآن شعر/جبهة) – وحرية
من اول المواطن اللي له خصوصيته اللي ماحدش بينتهكها لحد الزعيم الكبير في البلدة فيه سلسلة من التواصل والتفاهم والثقة. هل ما كانش فيه علوم؟ الحقيقة آه، بس عشان يحموا نفسهم من الخوف، كان عندهم اساطير فيها خلاصة الفلسفة والملاحظة الدقيقة والخيال الجريء بشكل ممزوج بتوازن. هل ما كانش عندهم فن؟ كان عندهم نحت خاص بيهم ورائع، متفجر بالمشاعر الانسانية غير المقموعة وفي نفس الوقت لها ايقاعها وقوانينها اللي بتنظم المواد عشان تعيد توزيع اسرار الكون
......
هل كان فيه معالم في قلب افريقيا؟ مدارس؟ مستشفيات؟ مافيش ساكن واحد من بتوع "القرن "العشرين. مافيش السيد دوراند، ولا السيد سميث، ولا براون، ولا حتى شبيه بيهم لحد ما الاوروبيين جم افريقيا. لكن شويلر بيفكرنا بوجودهم اللي اكتشفه كال، ومولين، والاخوة كاندر. وبيقول لنا ان لما البرتغاليين حطوا على شواطئ الكونغو سنة 1498 لقوا قرية امباس فيها ناس اغنيا لابسين الحرير والقطيفة. وكان فيه نظام الدولة القائمة على القانون، وقال، بما انه عايش في طوفان الامبريالية، ان الحضارة الغربية هي حضارة من ضمن الحضارات، ومش هي احسنهم ولا اكثرهم رحمة ولا حاجة.
(من كتاب امي سيزار)
وعرفت احط الراجل الابيض في مكانه الصحيح، وبقيت اكثر جرأة، زقيته بعيد عني وقلت له بصراحة: “انت اخدت عليا قوي...انا ما باخدش على حد كده" (اه وربنا كاتب كده في الكتاب :) عثل/جبهة) واخدت بالي ان الرجل الابيض اتضايق واستاء من تصرفي ده، رجع لورا، انا كسبت، انا باتنطط جوة قلبي من فرحة الانتصار.
“حط تاريخك بقى على جنب، وبطل بحوثاتك دي، حاول كده تعيش ايقاع العصر، في مجتمع زي مجتمعنا، صناعي الى ابعد درجة، السلطة فيه للعلم، مافيش مكان لحساسيتك الزايدة دي. لو عايز تعيش لازم تبقى اقوى من كده، خلاص ما بقتش لعبة العالم هي المهمة دلوقت، اهم حاجة دلوقت اخضاع العالم للحسابات الصحيحة والذرات. آه، ح تقول لي بقى لما نزهق من حياتنا اللي في المباني ح نرجع لك زي ما بنرجع لعيالنا الصغيرين – الابرياء، المبدعين، التلقائيين، ح نرجع لكوا زي ما بنرجع لطفولة العالم، انت مصدق قوي حياتك مش كده؟ - حاجة مضحكة قوي، ياللا بينا نهرب من حضارتنا المهذبة اللي مليانة نظام عشان نبقى على راحتنا اكتر، وننحني تجاه الرؤوس دي، الوشوش البرئية الضاحكة دي، يعني بتصالحنا على نفسنا.”
آه، يعني لا عقلانيتي لازم طبعا تتواجه "بالعقلانية"، وعقلانيتي تتوادجه "بالعقلانية الحقيقية". المهم اني غلط وخلاص. حللت ميراثي، وراجعت الحسابات مع دائي؛ انا كنت عايز ابقى زنجي على ابوه، بس ده ما بقاش ممكن دلوقت، طب عايز ابقى ابيض، ده بقى اسمه تهريج. طب لما حاولت اني استعيد زنجيتي على المستوى الفكري والفلسفي خطفوه من ايدي. وثبت ان مجهودي كله مجرد مصطلح في جدلية:
بس فيه حاجة اهم: الزنجي بيخلق لنفسه عنصرية مضادة للعنصرية ضده، طبعا هو مش عايز يحكم العالم ولا حاجة: كل امله اني يلغي المفاضلة بين الاعراق مهما كان مصدرها، وبيأكد تضامنه مع كل المضطهدين من اي لون، واول ما يعمل كده فجأة تتحول قضية الزنجي الذاتية الوجودية العرقية الى قضية موضوعية ايجابية زيها زي قضية الطبقة الكادحة (البروليتارية) وسينجور بيقول: بالنسبة لسيزار، الرجل الابيض هو رمز رأس المال زي ما الزنجي رمز الطبقة العاملة ....ابعد من فكرة العرق، بالنسبة لسيزار دي معركة البروليتارية.
سهل الواحد يقول كده، بس صعب يفكر في الموضوع بروية، وطبعا مش مصادفة ان اكثر الشعراء حماسة لقضية الزنوج هم ضمن المناضلين الماركسيين.
بس ده مش كافي عشان نخلط القضية العرقية بقضية صراع الطبقات: الاولى ملموسة ومحددة، والتانية مجردة وعالمية. ولو انطلقنا من منهج كاسبر ومن المنهج الفكري ح نلاقي: الاولى (العرقية) هي صنيعة تركيبة نفسية وارتباك وتضارب مفاهيم، والتانية بناء منهجي مؤسس على الخبرة.
الحقيقة المشكلة الزنجية هي الاصطلاح المصغر في تطور الجدلية: التأكيدات النظرية والعملية على تفوق الانسان الابيض هي الطرح؛ ووضع الزنوج كقيمة مضادة هي عنصر النفي. ولكن لحظة النفي دي كافية وقائمة بذاتها، والزنوج اللي بيوظفوها عارفين كده كويس؛ هم عارفين ان مقصدهم هو الاعداد لتوليفة مجتمع بلا اعراق، وعشان كده الهوية الزنجية هي جذر تحطيمها، بمعنى ان الهوية الزنجية هي مرحلة انتقالية مش النتيجة اللي عايزين نوصلها، هي الوسيلة مش الهدف.
(طبعا عارفين مين اللي كاتب الخرا المعقد ده، سارتر انا بسطته على قد ما قدرت واللي مافهمش ما يتخضش على نفسه ويسألني وانا اقول له مش عيب انك ما تفهمش سارتر العيب ان سارتر مش بيفهم الناس)
لما قريت الصفحة دي، حسيت ان اخر فرصة ليا اتسرقت، قلت لصحابي: “الجيل الجديد من الشعراء الزنوج تلقوا صفعة مش لا تغتفر"، طلبت مساعدة واحد صاحبي ملون، وصاحبي ده ما لقاش طريقة احسن من انه يشاور لي على نسبية اللي هم بيعملوه (الشعراء الزنوج يعني/ جبهة). لاول مرة، هذا الهيجيلي بالمولد (نسبة الى هيجل) نسي ان الوعي بيفقد نفسه في ظلام المطلق، وهو الشرط الوحيد عشان الوعي يلاقي نفسه. هو استدعى كل الجوانب السلبية، بس نسي ان السلبية دي بتستمد قيمتها من المطلق الموضوعي. لان الوعي المرهون بالتجربة جاهل، لازم طبعا يكون جاهل، جاهل بجوهره وجاهل بسبب وجوده.
“اورفيوس الاسود"
هو التفكير في كون الانسان اسود، وكان خطأ سارتر مش بس انه بيدور على مصدر المصدر، بس كمان انه بيقفل المصدر ده:
هل مصدر الشعر ح يجف؟ وللا الاسود العظيم ح يجتاح زي الطوفان، برغم كل شيء، ويلون البحر اللي هو بيصب نفسه فيه؟ مش قضية يعني؛ كل عصر وله الشعر بتاعه، وفي كل عصر احداث الحياة بتختار امة، عرق، طبقة يكون منوط بيها انها تضيء المصباح من خلال انها تخلق الموقف اللي ما ينفعش يتعبر عنه غير بالشعر؛ ساعات الدافع الشعري بيتصادف مع الدافع الثوري؛ وساعات كل واحد فيهم بيمشي في طريق. النهاردة لازم نحيي التحول التاريخي اللي ح يتيح للاسود انه يطلق "الضرخة الزنجية بقوة تهز عواميد العالم" (اللي بين عالمتين تنصيق من سيزار والمقتطف من سارتر/جبهة)
يعني مش انا اللي باعمل لنفسي معنى، لكن المعنى موجود من قبل وجودي، ومستنيني. يعني مش بسبب تعاستي الزنجية، ولا سناني الزنجية، ولا جوعي الزنجي انا ح اعمل مصباح يحرق العالم، هو المصباح اصلا كان موجود مستني التحول التاريخي.
فيما يخص الوعي، فالوعي الاسود موجود ككثافة مجردة، يعني بيملا نفسه، بيكون نفسه، دي مرحلة قبل اي غزو، الغاء للانا بارادة ذاتية. في كتابه ده "اورفيوس الاسود" سارتر حطم الحماسة الزنجية. في مقابل التأريخ، فيه الاستشراف. انا محتاج اسيب نفسي تماما للهوية الزنجية، في يوم، يمكن، في عمق الرومانسية التعيسة.
على كل الاحوال انا كنت محتاج اني ما اعرفش، الصراع ده، الاتجاه الجديد ده، لازم ياخد مجراه لحد ما يكتمل، واكتر حاجة غير مرحب بيها في الظرف ده انك تحسسنا ان الامر اعتيادي: “انت ح تتغير يا ولد، انا كنت كده لما كنت قدك...ح تشوف...كله بيعدي"(هع هع هع..احسن احسن احسن، انا ح اكلمه يخاصم سارتر ده عشان انا مش باحبه وما ينفعش يبقى خطيبي ويكلم ناس انا مش باحبهم)
الجدلية اللي بتضفي اهمية على تأسيس حريتي بتخرجني برة نفسي. وبتحطم موقفي غير المنعكس. بس برضه، فيما يخص الوعي، فالوعي الاسود شايف نفسه جوهري في عين نفسه. انا مش امكانية لحاجة، انا هو انا بشكل متكامل، انا مش محتاج اتعامل بشكل كوني، ومافيش احتماليات جوايا، هويتي الزنجية مش ناقصة حتة، انا هو انا وهويتي تابعة لهويتي.
(واخدين بالكوا هو بيتخانق مع سارتر على ايه؟ سارتر بيتفزلك وبيقول بالمختصر يعني ان الهوية الزنجية دلوقت دي مرحلة مراهقة ورد فعل للعنصرية البيضاء ضده وبكرة يتغيروا ويتطوروا ويبقوا ميت فل وسبعتاشر عشان العالم كله يبقى ميت فل وسبعتاشر زي العالم بتاعنا دلوقت كده زي ما انتوا شايفين، فانون بالمختصر بيقول له بقى بالذمة حد يقول كده؟ ده انت عامل زي اللي بيقول انا ح استخبى ورا الباب عشان اخضك، طب ما انت كده نزعت فتيل حماسة السود للهوية الزنجية، ثم ان ام التنظير ده احنا مش محتاجينه لان الوعي الجمعي انضج من النظريات دي، وابدى استياءه من الطريقة الاليطة اللي سارتر بيتكلم بيها عن السود وكأنه الابلة وعلى فكرة دي طريقته دايما والبعيد ما حرمش يتكلم بالطريقة دي بعد ما اتهزق وبرضه كتب مقدمة معذبو الارض بنفس الطريقة بس الظاهر فانون كان يأس منه واخده على قد عقله/جبهة)
ح ييجي حد يقول لي، ان كلامه يشتمل على قراءة خاطئة للتاريخ، طب اسمع:
افريقيا، انا محتفظ بذكراك يا افريقيا
انت جوايا
زي الشظية في الجرح
زي تمثال في وسط القرية
خليني ابقى حجرة في الرافعة
خلي فمي يبقى شفايف جرحك
خلي ركبي عواميد كرامتك المتكسرة
وبرضه
عايز ابقى من عرقك لوحدك
العمال والفلاحين في الارض
العمال البيض في ديترويت والحجاب السود في الاباما
امة من اعداد لا تحصى في عبودية الرأسمالية
(يالهوي امال احنا نقول ايه/جبهة)
القدر يراوحنا كتفا بكتف
وبينكر الشتايم القديمة لمحرمات الدم
وبنطوي حطام وحدتنا
لما ييجي الطوفان
وح ننزع السكاكين من تدفقها
لو الجبال في المواجهة
ح نطحن فك البركان
وح نسند الجبال
وح يكون السطح ارض استعراض الفجر
وح نجمع قوتنا اللي اتهشمت
بخداع اسيادنا
لان تناقض الملامح هو اللي
بيخلق تجانس الوجه
وح نعلن عن وحدة عناءنا
وثورتنا
لكل الناس بكل الوجوه اللي على الارض
وح نخرج عصر الاخوة من براثن
عصر الالهة
بالظبط، ردنا هو، ان الخبرة الزنجية مش حاجة واحدة، لان الدنيا مافيهاش زنجي واحد، فيه زنوج كتير،
بصوا الفرق في الغنوة دي:
الرجل الابيض قتل ابويا
لان ابويا كان عنده كرامة
الرجل الابيض اغتصب امي
لان امي كانت جميلة
الرجل الابيض شغل اخويا في الشمس الحارقة
لان اخويا كان قوي
وبعدين الراجل الابيض جالي
ايديه كانت حمرا بالدم
وبصق احتقاره على وشي
وقال بصوته الظالم:
“انت يا ولد، طشت وفوطة ومية"
(شعر دافيد ديوب/ ديوان: عصر الشهداء)
او الاغنية دي:
سنان امي بتلمع لما تسمع مجاملات المنافقين
اخويا له لابس نضارة لها لمعة ذهبية
فوق عينيه اللي بتتلون بالازرق لما بيسمع صوت السيد
مسكين اخويا، لابس جاكيت العشا اللي فيها ياقة حرير
بينقنق ويتوشوش ويتهادى في اود المعيشة
وبيتنازل
انت فعلا مثير للشفقة
شمس بلدك الاصلي بقت ظل
على وشك المتفبرك المتحضر
كوخ جدتك
حمرة الخجل على وشك اللي بقى ابيض
بسبب سنين الاهانة والاقرار بالخطيئة
بس لما ييجي الطوفان ويلفظ الكلمات المنسقة الفارغة
وكأنهم حمل على اكتافك
ح تمشي تاني على ارض افريقيا الحمرا
كلمات الحزن ح تنظم خطواتك المرتبكة
انا حاسس اني وحيد
وحيد جدا
(دافيد ديوب)
من وقت للتاني الواحد يحب يقف شوية. انك تقرر حقيقة دي عملية مرهقة جدا، بس اول ما الواحد بيحط في دماغه انه يشرح الوجود، الواحد مش بيلاقي غير عدم الوجود. الاكيد هو ان في نفس اللحظة اللي كنت فيها باحاول افهم وجودي، سارتر، اللي فضل بالنسبة لي "الاخر"، سماني اسم، وبالتالي حطم اخر اوهامي، بينما انا كنت باقول له:
زنجيتي لا هي برج ولا كاتدرائية
بتنفجر في لحم الشمس الاحمر
بتنفجر في لحم السما المحترق
عواميد الصبر بتحفر في سوادي الفزع
لما انا كنت باصرخ كده، في نوبة وجودي وغضبي، هو كان بيقول لي: سوادك مصطلح صغير. بصراحة، بكل صراحة، اكتافي انسحبت من العالم لما سمعت الكلام ده، رجليا مش حاسة بالارض، من غير تاريخ زنجي، ومستقبل زنجي، ما اقدرش اعيش هويتي الزنجية. وانا مش ابيض، ومش عايزين يسبوني ابقى اسود، انا ملعون، جان بول سارتر نسي ان معاناتنا من جسدنا تختلف تماما عن معاناة الرجل الابيض من جسده، (هامش من المؤلف: ممكن افتراض سارتر في المطلق يبقى صح، بس في حالة الزنوج الافتراض غلط، لان الابيض مش الاخر بس ده الاخر والسيد) الصلة بيني وبين الابيض لا يمكن ان تتغير، علاقة عدت الحدود الجسدية.
حبي اتنسى، عرفت نفسي بالبداية، واخدت زنجيتي وبدموعي ركبتها على بعض تاني، اللي اتكسر بنيته من اول وجديد، بايديا الارضية، وبحدسي، وصرختي كانت اكثر حدة: انا زنجي..انا زنجي..انا زنجي
واخوايا المسكين عايش في مرضه النفسي لحد ما لقى نفسه مشلول:
الزنجي: ما اقدرش يا سيدتي
ليزي: ليه؟
الزنجي: ما اقدرش اضرب نار على بيض
ليزي: فعلا؟ ح يتضايقوا منك...خايف تضايقهم؟
الزنجي: دول بيض..بيض يا سيدتي
ليزي: وايه يعني؟ ماهم ممكن يقتلوك زي الخنزير
عشان هم بيض
الزنجي: بس هم بيض
(من مسرحية جان بول سارتر: العاهرة المحترمة)
احساس بالدونية، لا، احساس بعدم الوجود، الخطيئة زنجية، والفضيلة بيضاء، كل البيض اللي في ايديهم مسدسات دول مش ممكن يبقوا غلطانين، انا لوحدي اللي غلطان، مش عارف غلطان في ايه بالظبط، بس انا مش كويس وخلاص.
الزنجي: هو كده، هو ده النظام مع البيض
ليزي: انت كمان؟ انت كمان حاسس بالذنب؟
الزنجي: ايوة يا سيدتي
ده "بيجر توماس" خايف، بيترعش من الخوف، طب خايف من ايه؟ من نفسه. ماحدش عارف هو مين لسة، لكن هو عارف ان الخوف ح يملا العالم لما يعرفوا، ولما العالم يعرف، هم متوقعين دايما حاجة من الزنجي. هو خايف لبعدين العالم يعرف، وخايف لبعدين العالم ياخد باله انه خايف فيعرف، زي الست اللي ركعت لي على ركبها وطلبت مني اني اربطها في السرير:
“انا عارفة...لو الموضوع ده فضل في دماغي..اربطني"
“موضوع ايه؟"
“اني اقتل نفسي، اربطني، انا خايفة"
في النهاية، بيجر توماس بياخد خطوة، بيحط حد للتوتر ده، بيستجيب لتوقعات العالم.
في مسرحية "لو صرخ سيبه يمشي" الشخصية بتعمل بالظبط اللي هي مش عايزة تعمله. البنت الشقرا اللي دايما بتعترض طريقه، ضعيفة، وشهوانية، بيتعرض نفسها، بتخاف، بتبتين رغبتها، اغتصاب، وبعدين بتبقى عشيقته.
الزنجي لعبة في ايد الابيض، وعشان يخلص من الدائرة الجهنمية بينفجر. انا ما اقدرش اروح فيلم من غير ما اشوف نفسي، انا مستنيني، في المقدمة قبل ما الفيلم يبتدي انا مستنيني، والناس في السينما بتتفرج عليا، وبتفحصني، وبتستناني، عريس اسود ح يظهر، قلبي بيطغى على عقلي.
المحارب القعيد في حرب الباسيفيك قال لاخويا: “سلم نفسك للونك بنفس الطريقة اللي اتعودت بيها على اعاقتي، احنا الاتنين ضحايا".
ومع ذلك بكل قوتي انا رافض اني ابتر، انا حاسس جوايا روح، كبيرة كبر العالم، حقيقي، روح عميقة عمق النهر، صدري عنده القوة اللي تخليه يوسع بلا حدود، انا سيد، وبينصحوني اني اتبنى مهانة المشلول، امبارح صحيت وشفت السما بتهاجم نفسها بشكل كامل، عايز اقوم، لكن العالم اللي مالوش قلب وقع عليا، اجنحته مشلولة، بلا مسئولية قعدت اقوم واقعد، حاسس باللا شيء واللا نهائي: قعدت اعيط.
:)
الجزء الاخير من الفصل الخامس:
في مكان ما ورا العالم المادي بتاع المزارع وشجر الموز وشجر المطاط، في الخفاء احيت العالم الحقيقي. جوهر العالم هو ثروتي، بيني وبين العالم بقى فيه علاقة من التعايش. اكتشفت العالم البدائي. ايديا اتكلمت وكلبشت في زور العالم وقطعته، الرجل الابيض حس بالحزن لانه اكتشف اني باهرب منه، واخدت حاجة معايا. فتش جيوبي، اندفع يفتش في كل زوايا مخي، ما لقاش غير الواضح، ما عرفش يلاقي الخفي. واضح اني عندي سر، حققوا معايا، حسوا ان حوليا غموض، وانا تمتمت:
توكوالي، يا عمو، فاكر الليالي اللي مرت
وانا راسي تقيلة ومركونة على صبرك
او
ماسك في ايدي وبتقودني بالظل وبتغني
والمزارع زهور حشرات سراج الليل
كأنهم نجوم على الاشجار
والصمت في كل مكان
ريحة الادغال بتدند وحشد من
النحل الاحمر بيملا المزارع
وصوت الايقاع: توم توم
بيتنفس في مدى الليل
انت يا توكوالي
بتسمع اللي ماحدش يقدر يسمعه
وبتفسر لي اقوال الاجداد
في الابراج الهادية السائلة
التور، والعقرب، والنمر، والفيل،
والسمك اللي نعرفه
وبهاء الروح في القوقعة السماوية
اللي مالهاش نهاية
بس دلوقت بييجي شعاع الهة القمر
وغطاء الظل بيقع
ليل افريقيا
ليلي الاسود
صوفي وبراق
اسود ولامع
(شعر ليوبولد سينجور)
عملت من نفسي شاعر العالم، والرجل الابيض افتاجئ بشعر بيتقال في اشياء عمره ما كان يتخيل انها شاعرية. روح الابيض فسدت، واحد صاحبي مدرس في الولايات المتحدة مرة قال لي: “وجود الرجل الاسود بجانب الرجل الابيض هو ضمانة للاحتفاظ بانسانية الابيض، كل ما البيض يحسوا انهم تحولوا لالات عمل يرجعوا للاسود ويستمدوا منه انسانيتهم". اخيرا اعترفوا بيا، انا مش صفر.
انا محتاج اغير طريقة تفكيري. بشكل عابر الرجل الابيض بيقول لي اني حلقة في تطور الانسان: “كل ممتلكاتك اخدناها، احنا عرفنا اسرار الارض اكتر منك، ارجع لتاريخنا وانت تعرف ازاي احنا تغلبنا على المصاعب". وجالي احساس اني بالف في نفس الدايرة، وباعيد نفس الدورة، اصالتي انتزعت مني. عيطت كتير، لساعات طويلة لما كنت بابتدي اعيش مرة تانية. بس انا بقيت مسكون بانماط متآكلة: ريحة الزنجي في جنسه...الزنجي طيب..في جنسه، الاسود ساذج...في جنسه برضه.
حاولت اهرب من نفسي من خلال عرقي، بس البيض رموا نفسهم عليا وسلوني. اختبرت حدود جوهري؛ بلا شك ضاع منه كتير. وهنا اكتشفت احسن اكتشافاتي، عشان اكون ادق، الاكتشاف ده كان اعادة اكتشاف.
قعدت ابحث بشكل مسعور في كل اثار الانسان الاسود. واللي لقيته فزعني، في كتاب "الغاء الرق" كتب شويلر يقدمنا للعالم بمنطق قوي، ومن ساعتها فوربيناس، ويسترنمان، ويدلافوس – وكلهم بيض – انضموا للكورس يرددوا وراه الكلام اللي قاله. سيجو، ديجينيه، مدن ساكن فيها مئات الالاف من البشر؛ اعداد من السود المتعلمين (علماء الدين اللي سافروا مكة والمدينة عشان يتعلموا القرآن والشريعة/ فانون) جه شويلر نبش تاريخنا وطلعهم من الماضي، ونشرهم، ولقيت لنفسي مكان محترم في التاريخ. الرجل الابيض كان غلطان، انا عمري ما كنت بدائي، ولا نص انسان، انا منتمي لعرق كان بيشتغل بالفعل في الدهب والفضة من حوالي الفين سنة. وكان فيه حاجة تانية، حاجة تانية الرجل الابيض ما قدرش يفهمها، اسمع:
من اي نوع من الناس كانو، وبعد كده، انتزعوا من اسرهم، وبلادهم، وديانتهم، بوحشية غير مسبوقة في التاريخ؟
كانوا ناس مهذبة، كانوا ناس محترمة، بالتأكيد كانوا احسن من اللي عذبوهم – اللي عذبوهم دول كانوا شوية مغامرين صيع انتهكوا افريقيا وقطعوها وتفوا عليها عشان يعرفوا يقلعوها هدومها بسهولة.
الناس اللي اتخطفت من حضن بلدها كانوا بيعرفوا ازاي يبنوا بيوت ويعمروها، وبيعرفوا ازاي يحكموا امبراطوريات، ويشيدوا المدن، ويزرعوا الحقول، وينقبوا عن المعادن، وينسجوا القطن، ويطوعوا الفولاذ.
ديانتهم جميلة جمال خاص، مبنية على علاقة روحانية مع مؤسس "المدينة" عاداتها مهذبة، مبنية على الوحدة، والطيبة، واحترام الكبير.
مافيش اكراه فيها، وفيها تكافل، وحب الحياة، والاحترام الحر للنظام.
نظام – صدق – شعر (سيزار كان فاكر القرآن شعر/جبهة) – وحرية
من اول المواطن اللي له خصوصيته اللي ماحدش بينتهكها لحد الزعيم الكبير في البلدة فيه سلسلة من التواصل والتفاهم والثقة. هل ما كانش فيه علوم؟ الحقيقة آه، بس عشان يحموا نفسهم من الخوف، كان عندهم اساطير فيها خلاصة الفلسفة والملاحظة الدقيقة والخيال الجريء بشكل ممزوج بتوازن. هل ما كانش عندهم فن؟ كان عندهم نحت خاص بيهم ورائع، متفجر بالمشاعر الانسانية غير المقموعة وفي نفس الوقت لها ايقاعها وقوانينها اللي بتنظم المواد عشان تعيد توزيع اسرار الكون
......
هل كان فيه معالم في قلب افريقيا؟ مدارس؟ مستشفيات؟ مافيش ساكن واحد من بتوع "القرن "العشرين. مافيش السيد دوراند، ولا السيد سميث، ولا براون، ولا حتى شبيه بيهم لحد ما الاوروبيين جم افريقيا. لكن شويلر بيفكرنا بوجودهم اللي اكتشفه كال، ومولين، والاخوة كاندر. وبيقول لنا ان لما البرتغاليين حطوا على شواطئ الكونغو سنة 1498 لقوا قرية امباس فيها ناس اغنيا لابسين الحرير والقطيفة. وكان فيه نظام الدولة القائمة على القانون، وقال، بما انه عايش في طوفان الامبريالية، ان الحضارة الغربية هي حضارة من ضمن الحضارات، ومش هي احسنهم ولا اكثرهم رحمة ولا حاجة.
(من كتاب امي سيزار)
وعرفت احط الراجل الابيض في مكانه الصحيح، وبقيت اكثر جرأة، زقيته بعيد عني وقلت له بصراحة: “انت اخدت عليا قوي...انا ما باخدش على حد كده" (اه وربنا كاتب كده في الكتاب :) عثل/جبهة) واخدت بالي ان الرجل الابيض اتضايق واستاء من تصرفي ده، رجع لورا، انا كسبت، انا باتنطط جوة قلبي من فرحة الانتصار.
“حط تاريخك بقى على جنب، وبطل بحوثاتك دي، حاول كده تعيش ايقاع العصر، في مجتمع زي مجتمعنا، صناعي الى ابعد درجة، السلطة فيه للعلم، مافيش مكان لحساسيتك الزايدة دي. لو عايز تعيش لازم تبقى اقوى من كده، خلاص ما بقتش لعبة العالم هي المهمة دلوقت، اهم حاجة دلوقت اخضاع العالم للحسابات الصحيحة والذرات. آه، ح تقول لي بقى لما نزهق من حياتنا اللي في المباني ح نرجع لك زي ما بنرجع لعيالنا الصغيرين – الابرياء، المبدعين، التلقائيين، ح نرجع لكوا زي ما بنرجع لطفولة العالم، انت مصدق قوي حياتك مش كده؟ - حاجة مضحكة قوي، ياللا بينا نهرب من حضارتنا المهذبة اللي مليانة نظام عشان نبقى على راحتنا اكتر، وننحني تجاه الرؤوس دي، الوشوش البرئية الضاحكة دي، يعني بتصالحنا على نفسنا.”
آه، يعني لا عقلانيتي لازم طبعا تتواجه "بالعقلانية"، وعقلانيتي تتوادجه "بالعقلانية الحقيقية". المهم اني غلط وخلاص. حللت ميراثي، وراجعت الحسابات مع دائي؛ انا كنت عايز ابقى زنجي على ابوه، بس ده ما بقاش ممكن دلوقت، طب عايز ابقى ابيض، ده بقى اسمه تهريج. طب لما حاولت اني استعيد زنجيتي على المستوى الفكري والفلسفي خطفوه من ايدي. وثبت ان مجهودي كله مجرد مصطلح في جدلية:
بس فيه حاجة اهم: الزنجي بيخلق لنفسه عنصرية مضادة للعنصرية ضده، طبعا هو مش عايز يحكم العالم ولا حاجة: كل امله اني يلغي المفاضلة بين الاعراق مهما كان مصدرها، وبيأكد تضامنه مع كل المضطهدين من اي لون، واول ما يعمل كده فجأة تتحول قضية الزنجي الذاتية الوجودية العرقية الى قضية موضوعية ايجابية زيها زي قضية الطبقة الكادحة (البروليتارية) وسينجور بيقول: بالنسبة لسيزار، الرجل الابيض هو رمز رأس المال زي ما الزنجي رمز الطبقة العاملة ....ابعد من فكرة العرق، بالنسبة لسيزار دي معركة البروليتارية.
سهل الواحد يقول كده، بس صعب يفكر في الموضوع بروية، وطبعا مش مصادفة ان اكثر الشعراء حماسة لقضية الزنوج هم ضمن المناضلين الماركسيين.
بس ده مش كافي عشان نخلط القضية العرقية بقضية صراع الطبقات: الاولى ملموسة ومحددة، والتانية مجردة وعالمية. ولو انطلقنا من منهج كاسبر ومن المنهج الفكري ح نلاقي: الاولى (العرقية) هي صنيعة تركيبة نفسية وارتباك وتضارب مفاهيم، والتانية بناء منهجي مؤسس على الخبرة.
الحقيقة المشكلة الزنجية هي الاصطلاح المصغر في تطور الجدلية: التأكيدات النظرية والعملية على تفوق الانسان الابيض هي الطرح؛ ووضع الزنوج كقيمة مضادة هي عنصر النفي. ولكن لحظة النفي دي كافية وقائمة بذاتها، والزنوج اللي بيوظفوها عارفين كده كويس؛ هم عارفين ان مقصدهم هو الاعداد لتوليفة مجتمع بلا اعراق، وعشان كده الهوية الزنجية هي جذر تحطيمها، بمعنى ان الهوية الزنجية هي مرحلة انتقالية مش النتيجة اللي عايزين نوصلها، هي الوسيلة مش الهدف.
(طبعا عارفين مين اللي كاتب الخرا المعقد ده، سارتر انا بسطته على قد ما قدرت واللي مافهمش ما يتخضش على نفسه ويسألني وانا اقول له مش عيب انك ما تفهمش سارتر العيب ان سارتر مش بيفهم الناس)
لما قريت الصفحة دي، حسيت ان اخر فرصة ليا اتسرقت، قلت لصحابي: “الجيل الجديد من الشعراء الزنوج تلقوا صفعة مش لا تغتفر"، طلبت مساعدة واحد صاحبي ملون، وصاحبي ده ما لقاش طريقة احسن من انه يشاور لي على نسبية اللي هم بيعملوه (الشعراء الزنوج يعني/ جبهة). لاول مرة، هذا الهيجيلي بالمولد (نسبة الى هيجل) نسي ان الوعي بيفقد نفسه في ظلام المطلق، وهو الشرط الوحيد عشان الوعي يلاقي نفسه. هو استدعى كل الجوانب السلبية، بس نسي ان السلبية دي بتستمد قيمتها من المطلق الموضوعي. لان الوعي المرهون بالتجربة جاهل، لازم طبعا يكون جاهل، جاهل بجوهره وجاهل بسبب وجوده.
“اورفيوس الاسود"
هو التفكير في كون الانسان اسود، وكان خطأ سارتر مش بس انه بيدور على مصدر المصدر، بس كمان انه بيقفل المصدر ده:
هل مصدر الشعر ح يجف؟ وللا الاسود العظيم ح يجتاح زي الطوفان، برغم كل شيء، ويلون البحر اللي هو بيصب نفسه فيه؟ مش قضية يعني؛ كل عصر وله الشعر بتاعه، وفي كل عصر احداث الحياة بتختار امة، عرق، طبقة يكون منوط بيها انها تضيء المصباح من خلال انها تخلق الموقف اللي ما ينفعش يتعبر عنه غير بالشعر؛ ساعات الدافع الشعري بيتصادف مع الدافع الثوري؛ وساعات كل واحد فيهم بيمشي في طريق. النهاردة لازم نحيي التحول التاريخي اللي ح يتيح للاسود انه يطلق "الضرخة الزنجية بقوة تهز عواميد العالم" (اللي بين عالمتين تنصيق من سيزار والمقتطف من سارتر/جبهة)
يعني مش انا اللي باعمل لنفسي معنى، لكن المعنى موجود من قبل وجودي، ومستنيني. يعني مش بسبب تعاستي الزنجية، ولا سناني الزنجية، ولا جوعي الزنجي انا ح اعمل مصباح يحرق العالم، هو المصباح اصلا كان موجود مستني التحول التاريخي.
فيما يخص الوعي، فالوعي الاسود موجود ككثافة مجردة، يعني بيملا نفسه، بيكون نفسه، دي مرحلة قبل اي غزو، الغاء للانا بارادة ذاتية. في كتابه ده "اورفيوس الاسود" سارتر حطم الحماسة الزنجية. في مقابل التأريخ، فيه الاستشراف. انا محتاج اسيب نفسي تماما للهوية الزنجية، في يوم، يمكن، في عمق الرومانسية التعيسة.
على كل الاحوال انا كنت محتاج اني ما اعرفش، الصراع ده، الاتجاه الجديد ده، لازم ياخد مجراه لحد ما يكتمل، واكتر حاجة غير مرحب بيها في الظرف ده انك تحسسنا ان الامر اعتيادي: “انت ح تتغير يا ولد، انا كنت كده لما كنت قدك...ح تشوف...كله بيعدي"(هع هع هع..احسن احسن احسن، انا ح اكلمه يخاصم سارتر ده عشان انا مش باحبه وما ينفعش يبقى خطيبي ويكلم ناس انا مش باحبهم)
الجدلية اللي بتضفي اهمية على تأسيس حريتي بتخرجني برة نفسي. وبتحطم موقفي غير المنعكس. بس برضه، فيما يخص الوعي، فالوعي الاسود شايف نفسه جوهري في عين نفسه. انا مش امكانية لحاجة، انا هو انا بشكل متكامل، انا مش محتاج اتعامل بشكل كوني، ومافيش احتماليات جوايا، هويتي الزنجية مش ناقصة حتة، انا هو انا وهويتي تابعة لهويتي.
(واخدين بالكوا هو بيتخانق مع سارتر على ايه؟ سارتر بيتفزلك وبيقول بالمختصر يعني ان الهوية الزنجية دلوقت دي مرحلة مراهقة ورد فعل للعنصرية البيضاء ضده وبكرة يتغيروا ويتطوروا ويبقوا ميت فل وسبعتاشر عشان العالم كله يبقى ميت فل وسبعتاشر زي العالم بتاعنا دلوقت كده زي ما انتوا شايفين، فانون بالمختصر بيقول له بقى بالذمة حد يقول كده؟ ده انت عامل زي اللي بيقول انا ح استخبى ورا الباب عشان اخضك، طب ما انت كده نزعت فتيل حماسة السود للهوية الزنجية، ثم ان ام التنظير ده احنا مش محتاجينه لان الوعي الجمعي انضج من النظريات دي، وابدى استياءه من الطريقة الاليطة اللي سارتر بيتكلم بيها عن السود وكأنه الابلة وعلى فكرة دي طريقته دايما والبعيد ما حرمش يتكلم بالطريقة دي بعد ما اتهزق وبرضه كتب مقدمة معذبو الارض بنفس الطريقة بس الظاهر فانون كان يأس منه واخده على قد عقله/جبهة)
ح ييجي حد يقول لي، ان كلامه يشتمل على قراءة خاطئة للتاريخ، طب اسمع:
افريقيا، انا محتفظ بذكراك يا افريقيا
انت جوايا
زي الشظية في الجرح
زي تمثال في وسط القرية
خليني ابقى حجرة في الرافعة
خلي فمي يبقى شفايف جرحك
خلي ركبي عواميد كرامتك المتكسرة
وبرضه
عايز ابقى من عرقك لوحدك
العمال والفلاحين في الارض
العمال البيض في ديترويت والحجاب السود في الاباما
امة من اعداد لا تحصى في عبودية الرأسمالية
(يالهوي امال احنا نقول ايه/جبهة)
القدر يراوحنا كتفا بكتف
وبينكر الشتايم القديمة لمحرمات الدم
وبنطوي حطام وحدتنا
لما ييجي الطوفان
وح ننزع السكاكين من تدفقها
لو الجبال في المواجهة
ح نطحن فك البركان
وح نسند الجبال
وح يكون السطح ارض استعراض الفجر
وح نجمع قوتنا اللي اتهشمت
بخداع اسيادنا
لان تناقض الملامح هو اللي
بيخلق تجانس الوجه
وح نعلن عن وحدة عناءنا
وثورتنا
لكل الناس بكل الوجوه اللي على الارض
وح نخرج عصر الاخوة من براثن
عصر الالهة
بالظبط، ردنا هو، ان الخبرة الزنجية مش حاجة واحدة، لان الدنيا مافيهاش زنجي واحد، فيه زنوج كتير،
بصوا الفرق في الغنوة دي:
الرجل الابيض قتل ابويا
لان ابويا كان عنده كرامة
الرجل الابيض اغتصب امي
لان امي كانت جميلة
الرجل الابيض شغل اخويا في الشمس الحارقة
لان اخويا كان قوي
وبعدين الراجل الابيض جالي
ايديه كانت حمرا بالدم
وبصق احتقاره على وشي
وقال بصوته الظالم:
“انت يا ولد، طشت وفوطة ومية"
(شعر دافيد ديوب/ ديوان: عصر الشهداء)
او الاغنية دي:
سنان امي بتلمع لما تسمع مجاملات المنافقين
اخويا له لابس نضارة لها لمعة ذهبية
فوق عينيه اللي بتتلون بالازرق لما بيسمع صوت السيد
مسكين اخويا، لابس جاكيت العشا اللي فيها ياقة حرير
بينقنق ويتوشوش ويتهادى في اود المعيشة
وبيتنازل
انت فعلا مثير للشفقة
شمس بلدك الاصلي بقت ظل
على وشك المتفبرك المتحضر
كوخ جدتك
حمرة الخجل على وشك اللي بقى ابيض
بسبب سنين الاهانة والاقرار بالخطيئة
بس لما ييجي الطوفان ويلفظ الكلمات المنسقة الفارغة
وكأنهم حمل على اكتافك
ح تمشي تاني على ارض افريقيا الحمرا
كلمات الحزن ح تنظم خطواتك المرتبكة
انا حاسس اني وحيد
وحيد جدا
(دافيد ديوب)
من وقت للتاني الواحد يحب يقف شوية. انك تقرر حقيقة دي عملية مرهقة جدا، بس اول ما الواحد بيحط في دماغه انه يشرح الوجود، الواحد مش بيلاقي غير عدم الوجود. الاكيد هو ان في نفس اللحظة اللي كنت فيها باحاول افهم وجودي، سارتر، اللي فضل بالنسبة لي "الاخر"، سماني اسم، وبالتالي حطم اخر اوهامي، بينما انا كنت باقول له:
زنجيتي لا هي برج ولا كاتدرائية
بتنفجر في لحم الشمس الاحمر
بتنفجر في لحم السما المحترق
عواميد الصبر بتحفر في سوادي الفزع
لما انا كنت باصرخ كده، في نوبة وجودي وغضبي، هو كان بيقول لي: سوادك مصطلح صغير. بصراحة، بكل صراحة، اكتافي انسحبت من العالم لما سمعت الكلام ده، رجليا مش حاسة بالارض، من غير تاريخ زنجي، ومستقبل زنجي، ما اقدرش اعيش هويتي الزنجية. وانا مش ابيض، ومش عايزين يسبوني ابقى اسود، انا ملعون، جان بول سارتر نسي ان معاناتنا من جسدنا تختلف تماما عن معاناة الرجل الابيض من جسده، (هامش من المؤلف: ممكن افتراض سارتر في المطلق يبقى صح، بس في حالة الزنوج الافتراض غلط، لان الابيض مش الاخر بس ده الاخر والسيد) الصلة بيني وبين الابيض لا يمكن ان تتغير، علاقة عدت الحدود الجسدية.
حبي اتنسى، عرفت نفسي بالبداية، واخدت زنجيتي وبدموعي ركبتها على بعض تاني، اللي اتكسر بنيته من اول وجديد، بايديا الارضية، وبحدسي، وصرختي كانت اكثر حدة: انا زنجي..انا زنجي..انا زنجي
واخوايا المسكين عايش في مرضه النفسي لحد ما لقى نفسه مشلول:
الزنجي: ما اقدرش يا سيدتي
ليزي: ليه؟
الزنجي: ما اقدرش اضرب نار على بيض
ليزي: فعلا؟ ح يتضايقوا منك...خايف تضايقهم؟
الزنجي: دول بيض..بيض يا سيدتي
ليزي: وايه يعني؟ ماهم ممكن يقتلوك زي الخنزير
عشان هم بيض
الزنجي: بس هم بيض
(من مسرحية جان بول سارتر: العاهرة المحترمة)
احساس بالدونية، لا، احساس بعدم الوجود، الخطيئة زنجية، والفضيلة بيضاء، كل البيض اللي في ايديهم مسدسات دول مش ممكن يبقوا غلطانين، انا لوحدي اللي غلطان، مش عارف غلطان في ايه بالظبط، بس انا مش كويس وخلاص.
الزنجي: هو كده، هو ده النظام مع البيض
ليزي: انت كمان؟ انت كمان حاسس بالذنب؟
الزنجي: ايوة يا سيدتي
ده "بيجر توماس" خايف، بيترعش من الخوف، طب خايف من ايه؟ من نفسه. ماحدش عارف هو مين لسة، لكن هو عارف ان الخوف ح يملا العالم لما يعرفوا، ولما العالم يعرف، هم متوقعين دايما حاجة من الزنجي. هو خايف لبعدين العالم يعرف، وخايف لبعدين العالم ياخد باله انه خايف فيعرف، زي الست اللي ركعت لي على ركبها وطلبت مني اني اربطها في السرير:
“انا عارفة...لو الموضوع ده فضل في دماغي..اربطني"
“موضوع ايه؟"
“اني اقتل نفسي، اربطني، انا خايفة"
في النهاية، بيجر توماس بياخد خطوة، بيحط حد للتوتر ده، بيستجيب لتوقعات العالم.
في مسرحية "لو صرخ سيبه يمشي" الشخصية بتعمل بالظبط اللي هي مش عايزة تعمله. البنت الشقرا اللي دايما بتعترض طريقه، ضعيفة، وشهوانية، بيتعرض نفسها، بتخاف، بتبتين رغبتها، اغتصاب، وبعدين بتبقى عشيقته.
الزنجي لعبة في ايد الابيض، وعشان يخلص من الدائرة الجهنمية بينفجر. انا ما اقدرش اروح فيلم من غير ما اشوف نفسي، انا مستنيني، في المقدمة قبل ما الفيلم يبتدي انا مستنيني، والناس في السينما بتتفرج عليا، وبتفحصني، وبتستناني، عريس اسود ح يظهر، قلبي بيطغى على عقلي.
المحارب القعيد في حرب الباسيفيك قال لاخويا: “سلم نفسك للونك بنفس الطريقة اللي اتعودت بيها على اعاقتي، احنا الاتنين ضحايا".
ومع ذلك بكل قوتي انا رافض اني ابتر، انا حاسس جوايا روح، كبيرة كبر العالم، حقيقي، روح عميقة عمق النهر، صدري عنده القوة اللي تخليه يوسع بلا حدود، انا سيد، وبينصحوني اني اتبنى مهانة المشلول، امبارح صحيت وشفت السما بتهاجم نفسها بشكل كامل، عايز اقوم، لكن العالم اللي مالوش قلب وقع عليا، اجنحته مشلولة، بلا مسئولية قعدت اقوم واقعد، حاسس باللا شيء واللا نهائي: قعدت اعيط.
No comments:
Post a Comment