وتلك نعمة تمنها علينا؟

أكتب الآن وقد خرج معتقلي كفاية لتوهم من قسم شرطة حي الظاهر بيبرس. كان المعتقلون، وعددهم 21 شاب، قد شاركوا في تظاهرة سلمية للاعتراض على التعديلات الدستورية الجديدة، وتم القبض عليهم وترحيلهم إلى نيابة الجلاء التي أخلت سبيلهم، ثم احتجزتهم السلطات في قسم الظاهر ثم أطلقت سراحهم وهذه آخر الأنباء التي وصلتني حتى كتابة هذه السطور.

قبل هذه الواقعة بساعات كان أحد الصحفيين التابعين للنظام الحاكم يتحدث في قناة الجزيرة عن حرية غير مسبوقة تتمتع بها مصر في الوقت الراهن. الحقيقة أنني غاضبة جدا، من كل الأطراف، فأنا غاضبة من أولئك الذين يمنون علينا نعمة ليست من إنتاجهم ولا إنجازهم، وغاضبة من هؤلاء الذين يحمدون ويشكرون للدولة فتات الحرية مرددين: مش أحسن من أيام ما كان اللي يقول "بم" يتسجن؟!

والواقع أنه: لا مش أحسن، لأنه غير وارد أساسا، وبعد كل التضحيات التي قدمها الشعب المصري، وبعد كل نضاله وكفاحه من أجل الحرية، وبعد أن قضى عقودا يرى مثقفيه وخيرة مواطنيه يلقى بهم في غياهب السجون، أن تكون النتيجة الآن، أننا عندما نقول "بم" نسجن، ولا حتى عندما نقول: "بم بوم"، ولا "طاخ طيخ".

نحن المواطنون يا سادة، وهذه البلد بلدنا، وقد دفعنا ثمن مواطنتنا لها مقدما، وكان ثمنا باهظا، سواء ذلك الذي كان من نصيب المفكرين والمثقفين والسياسيين، من سجن وتشريد وفصل وتعذيب بل وقتل في بعض الأحيان، وعلى مدى عقود طويلة، أو هذا الذي كان وما زال من نصيب رجل الشارع الذي يدفع ضرائبا تصل إلى أربعين بالمائة من دخله، ولا يجد في مقابلها كرس خال في المواصلات العامة، ويسعى سعيا ليل نهار ليحصل لأولاده على حق التعليم والعلاج من كده وماله، موفرا على الدولة القيام بواجبها نحو المواطنين، فهو يعمل لينفق على أبنائه من الإبرة للصاروخ، ولينفق على الدولة أيضا، والمقابل؛ من أبنائه يكون المحبة، ومن الدولة يكون الكراهية والتنكيل والحكم بقانون الطوارئ على مدى أكثر من ربع قرن، ورفع الأسعار، والتسريح من الوظائف، وبيع ممتلكاته العامة، وفوق ذلك كله المن عليه بحريته في أن يقول: إفففف حاجة تقرف.

هذا هو المقابل الذي لا يفتأ إعلاميو "الدولة" ومعهم بعض كتابها يعييروننا به. والله كثر خيرهم، ولماذا فاتهم، يا ترى، أن يعييروننا بأن أسرانا قتلوا على أيدي حلفائهم من الصهاينة، بلا دية ولا محاسبة ولا إدانة، بل ولا تنفك إسرائيل أن تخرج لنا لسانها، من آن لآخر، لتقول: قتلناهم...ورونا ح تعملوا إيه؟ نحن نثق في الحكومة المصرية أنها قادرة على تهدئة الشارع المصري؟! ولماذا فاتهم أيضا أن يعييرونا بأن دستورنا، غير المطبق أصلا، يتم تعديله دون الرجوع إلينا، وبهدف التأسيس لقانون يرفع سقف الطوارئ حتى تسلبنا الدولة "المنة" التي منحتها إيانا بأن نقول: إف حاجة تقرف؟ ولماذا فاتهم أن يذكرونا بفضل الدولة بأنها تسمح للسياسيين بالترشح للانتخابات، سواء الرئاسية أو البرلمانية، لتحدد من هم بالضبط الذين يرغبون في التداول السلمي للسلطة حتى تسجنهم أو تحولهم إلى محكمة عسكرية وتصادر أموالهم؟

نحن دفعنا، وندفع، أثمانا باهظة لهذه البلد التي تدين لنا بأننا نحبها رغم التهامها للحومنا وشربها لدمائنا يوما بعد يوم، ولن نسمح، بعد كل هذه التضحيات، لأبواق فرعون أن يذكرونا بنعمة وليهم علينا أن عبدنا واستعبدنا، والأجر والثواب على الله.

شارك في التظاهرة التدوينية (أكواد أغنية يا قبضتي...ضعها على مدونتك):

http://www.linux-fr34k.com/Soka/Blogger/Cod.rtf

وقع هنا للقصاص أسرانا: إلى الأمم المتحدة

http://www.petitiononline.com/egypows/petition.html

وقع للقصاص لأسرانا: إلى نقابة المحامين

http://www.petitiononline.com/ezzat01/petition.html

وقع ضد التعديلات الدستورية

http://www.petitiononline.com/kxqf4436/petition.html