Sunday, 18 January 2009

عبد البرماوي يكتب عن الفسفور الابيض وحرب الابادة

الاستخدام المكثف للفوسفور الأبيض، أحد أسوأ الأسلحة المحرمة دوليا، من قبل جيش إسرائيل المحتل ضد تجمعات المدنيين فى قطاع غزة هو جريمة حرب بكل المقاييس، هذا ما تثبته وترصده التقارير الإعلامية وشهادات الشهود والتقارير العيادية بمستشفيات الإغاثة فى القطاع، وخرج بشأنه بيان عن منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس واتش) الدولية أشارت فيه المنظمة لقيام باحثيها في إسرائيل برصد قيام المدفعية الإسرائيلية يومي 9 و10 يناير 2009 بإطلاق قذائف عدة في سماء مدينة غزة وجباليا تحتوي على الفوسفور الأبيض. وأشار البيان – بدافع الحيطة - لاحتمال أن إسرائيل تستخدم مادة الفوسفور الأبيض "كآداة تمويه" على تحركاتها العسكرية، وهو استخدام مباح في الأصل من قبل القانون الدولي الإنساني (قوانين الحرب)، وأضاف البيان أن الفوسوفر الأبيض له آثار بالغة على أجساد البشر، وأن من شأن استخدامه فى قطاع غزة ذى الكثافة السكانية التي تعد من أعلى النسب في العالم أن تؤدي هذه المادة الحارقة لإيذاء المدنيين بالجملة
والفوسفور الأبيض كما تفيد المراجع المتوافرة على الشبكة هو مركب كيميائى صلب شبه شفاف أشبه بشمع مائل للصفرة، ينفجر عند تعرضه للهواء منتجا لهيبا حارقا ودخانا كثيفاً. وهو نفسه ما يستخدم فى طلقات التتبع التى يطلقها البحارة فى الليل طلبا للاستغاثة عند تعرض السفن لخطر الغرق، لتحدد مكان وجودهم لسفن الإنقاذ، كما يستخدم أيضاً فى قنابل الدخان لما ينتجه هذا المركب عند تفاعله من دخان كثيف ولاستمراره لفترة طويل، كما يستخدم فى تسهيل الاشتعال (كفتيل الحرق) فى معظم الذخائر. له آثار حارقة ومدمرة للجسم البشرى غير اعتيادية، إذا ما قورن بالأسلحة الأخرى، ولهذا يقابل استخدامه فى الحروب بالاستهجان و النقد الشديد. ونظرا لكونه سلاحا أعمى يقتل بالجملة، اعتبر من الأسلحة المحرم استخدامها دولياً، هذا بحسب البروتوكول الثالث المُلحق بمعاهدة حظر الأسلحة التقليدية لعام 1983، التى حظرت استخدام الفوسفور الأبيض ضد الأهداف العسكرية التي تقع ضمن تجمعات مدنية، إلا إذا كانت معزولة بوضوح عما يحيط بها من سكان مدنيين، ومع استخدام الاحتياطات الكافية لحمايتهم عند استخدامه وهو ما خالفته إسرائيل بوضوح شديد فى عملية الرصاص المصبوب التى شنها جيش الدفاع الاسرائيلى منذ الثالث من يناير 2009 على المدنيين وتجمعاتهم شديدة الكثافة السكانية فى غزة بحجة استئصال ميليشيا حركة حماس الحاكمة فى هذا الإقليم الصغير، وضد قذائفها البدائية المسماة زورا صواريخ تضخيما لآثارها. والغرض الوحيد بحسب ما شاهدته العيون كان هو إيقاع أكبر عدد من القتلى المدنيين وإصابة أكبر عدد ممكن منهم (العدد حتى يوم وقف إطلاق النار تخطى بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية 1300 قتيلاً ثلثهم من الأطفال، و5300 جريحا) وهو ما يدخل قادة جيش الدفاع الإسرائيلى لحظيرة مجرمى الحرب العتيدين، لكن اسرائيل التى لا تحترم أى من المواثيق الدولية وتعتبر قوانين الحرب الدولية أقل من ورق الحمام فى أهميتها، قامت بذلك اعتمادا على عدم توقيعها لهذا البروتوكول الإضافى متبعة فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التى لا ترى الفوسفور الأبيض سلاحا محرما دوليا، وهى الأكثر استخداما لهذه النوعية من الأسلحة المحرمة وتنتجه شركاتها وتصدره للعالم.
إن استخدام جيش الدفاع الاسرائيلى لهذا السلاح من الفتاك لهو دليل على أن الوحشية التى يتمتع بها بعض البشر والتى تتخطى الأهداف المشروعة لاستخدام العنف فى الردع والدفاع لا زالت تطل برأسها على هذا العالم. الفوسفور الأبيض الذى حرق أجساد أطفال غزة مادة شيطانية آثارها لا حدود لها، حتى استخدامه مع المقاتلين (الأعداء) الذين يعتبر استهدافهم فى الحرب شرعى هو من قبيل البربرية، إذ تتخطى نواتج استخدامه مجرد الإعاقة للعدو المستهدف أو التصفية إلى التمثيل بالجثث ومضاعفة المعاناة، وقد وثقت لآثاره العيادية عدة جهات مناهضة لاستخدامه فى العالم، مثبتة أنه بمجرد التعرض له يحرق جسم الإنسان ولحمه فلا يبق منه إلا العظام، واستنشاقه لفترة قصيرة يهيج القصبة الهوائية ويدمر الرئة، أما استنشاقه لفترة طويلة فيسبب تهتكات بالغة في الفم ويفتت عظام الفك. كما أنه يدمر المباني والحقول وغيرها من الأهداف المدنية
وبالطبع تشير التقارير الواردة من ميدان العمليات البائس بغزة عندما استخدمته إسرائيل لم تتخذ أدنى احتياطات وجاءت الصور التى بثتها وكالات الأنباء تدينها، وتثبت تعمد استخدام السلاح المحرم دوليا ضد المدنيين العزل. وعدم توخى أى احتياطات لتجنيب المدنيين آثارها، فقد جاء في التقرير الصحفية أن القذائف التى استخدمها الطيران الاسرائيلى تنشر 116 رقاقة محرقة فوق منطقة يبلغ قطرها ما بين 125 إلى 250 متراً، استناداً إلى ارتفاع القذيفة، الأمر الذي يؤدي إلى حتمية تعرض المدنيين والمباني المدنية للضرر الناتج عنها، مقارنة بالقذيفة التي تطلق على جهة محددة على الأرض. وتذرع اسرائيل بوجود مقار عسكرية لحماس واعتبارها أهدافا مشروعة يتناقض وحقيقة أن حماس مجرد ميليشيا من المقاومين لا تتمتع بأى تنظيم عسكرى حقيقى له قواعده ومؤسساته ومعسكراته كما بالنسبة للجيوش الاحترافية، ومن ثم لا يمكن تمييز ما يمكن اعتباره أهدافا عسكرية لها، وما صدر عن جيش إسرائيل بتسمية أهدافا عسكرية لحماس واضحة هو محض اختلاق، وأن ما يقال عن مسعاها لفصل حماس عن قواعد تأييدها من خلال ضربات متقنة لأهداف منتقاه تضعف حماس دون أن تتسبب بأضرار جانبية collateral damages غير مقصودة هو كلام عبثى لتغطية جريمة إبادة الجنس التى ارتكبت بحق الفلسطينيين، لا أحد يدرى ما هى الأهداف المشروعة التى يشيرون إليها، اللهم إن كانت إسرائيل تخالف البشرية فى فهمها، وتعتبر أن دور العبادة ومستشفيات ومدارس القطاع التى دمرتها وقذفتها بالأسلحة المحرمة دوليا هى أهداف عسكرية مشروعة بحسب بيانات جيشهم. ورغم التقارير الإعلامية التى نبهت قبل عملية اجتياح غزة لاحتمال استخدام الجيش الإسرائيلى هذا السلاح الفتاك المحرم، ونبهت لخطورة ذلك، إلا أن قادة إسرائيل من سياسيين وعسكريين قد تجاهلوا عامدين هذه التنبيهات ومارسو جريمة إبادة الجنس وإزهاق أرواح المدنيين بالجملة بهذه الأسلحة المحرمة دوليا دون رادع من قانون أو ضمير، وهم من وضعوا هذه الذخائر المحرمة فى أيدى جنودهم وأمروا باطلاقها.
استخدام مثل هذه الأسلحة المحرمة دوليا - فى ظنى – لإبادة الجنس هو صفة ملازمة لآيديولجيات الاستعمار التى تنتهج فكر عنصرى يقودها لاستساغة ممارسة هذه الجريمة متذرعين بالتكنولوجيا. ولعل جزء من تاريخ الاستعمار الغربى يمكن تفهمه بمتابعة تاريخ تطور أسلحة الدمار المحرمة دوليا، لقد ظهر الفوسفور الأبيض كسلاح فى القرن التاسع عشر فى أوربا، وتطور فى هذا المحضن الغربى ضمن التنافس المحموم بين الغزاة الغربيين لتطوير الأسلحة الأشد فتكاً. وتنعقد رذيلة تحويله لقذائف فى عنق البريطانيين الذى طوروا استخدامه البدائى من مجرد محلول قابل للاشتعال ذو أثر حارق لقنابل شديدة الانفجار وذلك خلال الحرب العالمية الأولى، واستعمله من بعدهم خلفاؤهم الأمريكيون على نحو كثيف فى الحرب العالمية الثانية، وقيل أن اليابانيين استخدموه كذلك، لكن فضائح استخدامه نقلت بشكل مكثف مع حرب فيتنام خلال الستينات من القرن الماضى والتى انطوت بشكل كبير على ممارسة لجريمة إبادة الجنس وتجيه هذه الأسلحة ضد المدنيين واستخدامها للقتل السهل وبالجملة ضد ما قيل أنه ميليشيات مقاومة لا يمكن تمييزها عن المدنيين، وكانت كبرى فضائح حرب فيتنام العنصرية الاستعمارية التى بقت فى الذهن العالمى حتى اليوم
ولا ننسى أن الفوسفور الأبيض الذى برع الأمريكيون فى استخدامه هو ذات السلاح الذى قيل أن صدام حسين قد ضرب به الأكراد فى ثمانينات القرن العشرين وكانت واحدة من التهم التى التصقت به حتى من قبل قيام القوات الأمريكية باحتلال بلاده. كما أن الجيش الروسي كان له نصيب من هذه البربرية حين قاد محارق عديدة ضد شعب الشيشان ومقاوميه في منتصف التسعينيات
وتقريبا ليست هناك من حرب جرت فى الشرق الأوسط خلال الأعوام الستون الماضية لم يستخدم فيها هذا السلاح المحرم، لكن استخدامه على نحو موسع وضد المدنيين العزل وبغرض واضح وهو إبادة الجنس ظل جريمة إسرائيلية مكتملة الأركان كررتها إسرائيل مراراً ومراراً دون رادع. فهى استعملته بتوسع خلال عملية غزو لبنان سنة 1982 وكررت ذلك بكثافة أكبر خلال حربها الأخيرة ضد حزب الله وضربها لبنان فى 2006، وكذلك في بعض معاركها ضد المقاومة الفلسطينية
إسرائيل تعيد انتاج الرسائل الإعلامية التضليلية وتجيد أدوات الدعاية الأمريكية، وبرعت فى تغطية – فى ظل صمت دولى مريب وتغييب للضمير العالمى - جريمة حرب جديدة ضد المدنيين الفلسطينيين العزل. استفادت اسرائيل من سلوك الولايات المتحدة والدعاية الحربية التى تقودها البنتاجون. فى عام 2004 استخدمت القوات الأمريكية المحتلة للعراق قذائف الفوسفور الأبيض التى يطلقون عليها ويلى بيت، وهى فضيحة فجرها تقرير مصور لقناة إيطالية وثق لقيام القوات الأمريكية بضرب المدنيين العراقيين بالفوسفور الأبيض في معركة الفلوجة. ورغم محاولات وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) المستميته للتغطية على جريمة الحرب بتبرير استخدامها لهذه المادة المحرمة دوليا والقول بأن قواتها استخدمت الفوسفور الأبيض، "كعتاد حارق" ضد قوات المتمردين في الفلوجة. لكن صور الضحايا وعدة شهادات جمعت من جنود أميركيين ونشرت فى مجلة مدفعية الميدان الصادرة عن قاعدة فورت سيل بأوكلاهوما جاءت جميعها كقرينة إثبات قوية بأن القوات الأميركية قد استخدمت هذا السلاح الحارق. لكن لم يستطع العالم أن يوقف أحد قادة الحرب المجرمين الأمريكيين، كما هو عاجز اليوم عن مجرد التفوه بالتهمه فى وجه أولمرت وصحبه
لا يجب أن تمر هذه الجريمة كمثيلاتها، ويجب فضح مجرمى الحرب هؤلاء وكشف زيفهم، نحن فى حاجة لإجراء توثيقى فعال ومتقن قبل أن يزول أثر العدوان، تصوير، جميع مواد إلعامية، شهادات، وثائق، بيانات، تصريحات، مراجع وكل ما من شأنه أن يوثق لهذه الجريمة كجريمة حرب. لقد أفلت أولمرت المرة الفائته ببربريته التى أظهرها فى لبنان، كما أفلت المحتلون فى العراق بما فعلوه فى الفلوجه، فهل يا ترى أتى الوقت الذى نستطيع فيه أن نقود حملة دولية تقنع العالم برفع سبابته والإشارة لمجرم حرب حقيقى وواضح ومدان

2 comments:

Anonymous said...

الدكتور على قناة الجزيرة ان الاسلحة التي استخدتمها اسرائيل تسبب السرطان و الوفاة خلال 8 اشهر من التعرض لها ، يعني بعد اشهر قليلة سيكون هناك نسبة كبيرة من المصابين بالسرطان و نسبة كبيرة من الوفيات بعد 8 اشهر ، غير التربة التي اصبحت ملوثة باليورانيم لمئات السنوات القادمة === ارض محروقة==

yousef said...

الاخت نوارة
زوار المدونة

يرجى التوقيع من اجل سحب جائزة نوبل للسلام الممنوحة للمجرم شمعون بيريز

http://www.petitiononline.com/semsem/petition.html