Sunday 22 June 2008

الجزء الاول من الفصل الاول من كتاب فرانتز فانون

وزي ما فرانتز فانون قال ما معناه اللي ح يحاول يضحك على نفسه في اول الكتاب ويقول انا مش موجود في الكتاب ده، غصب عنه ح يلاقي نفسه في نص الكتاب او في اخره، المهم ما يضحكش على نفسه عشان ما حدش يضحك عليه
اليكم:

الفصل الاول:


ارى اهمية كبيرة في ظاهرة اللغة. لذلك من الهام جدا البدء بها، لانها ستمدنا بعناصر مهمة خاصة بفهم الملون لابعاد الآخر. لانه بالطبع انت لا تتكلم لا في حضور الاخر.

للانسان الاسود بعدين، بعد مع الانسان الابيض وبعد اخر مع الاسود. فهو يتصرف بشكل مختلف تماما في حضور الرجل الابيض. وبالطبع فان هذا الانقسام على الذات هو نتيجة للاستعباد الاستعماري. فيجب الا يتخيل احد ان هذا الازدواج له علاقة بالنظريات العلمية التي تريد ان تثبت ان الانسان الاسود هو حلقة في تطور الانسان من القرد. واليكم الحقيقة الموضوعية.

بالادراك واستيعاب الظاهرة يمكن ان نقول بان القضية في طريقها للحل، حيث اننا يجب الا ننسى المقولة الشهيرة: “ليس مهمتك معرفة العالم، بل مهمتك معرفته لتغيره"

هذه المقولة هامة في حياتنا بشكل مرعب.

الكلام معناه انك تستخدم النحو والصرف للغة معينة، لكنه ايضا يعني انك تعتنق ثقافة، تدعم حضارة ما، وبما ان الموقف تبادلي هنا، فان علينا ايضاح الحقائق. سنطلب من القارئ الاعتراف ببعض الحقائق التي ستبدو في بدايتها مزعجة، لكننا في طريقنا سنثبت صحتها.

المشكلة التي نواجهها في هذا الفصل هي:

الانسان الاسود في الانتيلز ابيض نسبيا – اي انه اقرب الى الانسان المكتمل هكذا يفترضون – والنسبية هنا تتمثل في تمكنه من اللغة الفرنسية. لا اتجاهل كون ان هذا هو اتجاه الانسان حين يواجه وجوده، فالانسان الذي يملك ناصية اللغة يملك التعبير والتلميح عن فكره للعالم. اذن: فالتملك من اللغة هي احد وسائل القوة. ادرك ذلك بول فاليري حين وصف اللغة بـ"الالهة التي ذابت في اللحم".

الان نحن بصدد التنقيب في هذه الظاهرة. اريد ان ابين كيف يواجه الانتيليزي مشكلة اللغة، ايا كانت مكانته الاجتماعية والثقافية. ثم سأوسع الرقعة ليشمل هذا التحليل كل من يقع تحت الاحتلال.

كل شعب يقع تحت الاستعمار، او بقول اخر، كل شعب يعاني من عقدة الدونية بسبب دفن ثقافته الاصلية، يجد نفسه في مواجهة مع لغة الامة "المتحضرة". او بالاحرى في مواجهة مع ثقافة البلد "الام".

يرتقي الانسان الواقع تحت الاحتلال حين يعتنق ثقافة البلد الام، يصبح اقرب للانسان الابيض حين يهجر ثقافته وادغاله.

في المستعمرات الفرنسية، بالتحديد في السنغال، يقوم رجال الشرطة السود بخدمة المترجمين في المقام الاول. فهم الذين ينقلون اوامر السيد الى الرعية، وبذلك فهم يتمتعون بقدر عال من الاحترام.

هناك مدينة في هذه القرية، هناك عاصمة في هذه الضاحية. وغالبا نجد نفس المشكلة في البلد الام. فنأخذ الليوني في باريس كمثال: فهو يفخر بهدوء مدينته، الجمال المسمم لارصفة رون، روعة الاشجار، وكل الاشياء التي تبهر اولئك الذين يتمتعون بوقت فراغ كبير. واذا قابلته مرة اخرى حين يعود من باريس، خاصة اذا كنت لا تعرف العاصمة جيدا، فلن يكف عن مديح باريس: مدينة النور، نهر السين، المطاعم ذات الحدائق الصغيرة، اعرف باريس ثم مت بعد ذلك...

وتتكرر العملية مع المارتينيك، في البداية وفي جزيرته: باسبوينت، ماريجو، جروسمورن، وفي المقابل تجد قوة فرنسا. ثم، ذلك الذي يعرف فرنسا هو نصف اله، والحقيقة التي ربما تفاجئ ابناء وطني، ان الكثير ممن عاشوا في فرنسا مدة من الوقت يعودون ليواجهوا التحدي في اوطانهم. فيواجهون الازدواجية التي تمارس عليهم من ابناء وطنهم، اولئك الذين لم يخرجوا من جحورهم والذين يطلق عليهم البيتاكو. يعود الاسود الذي عاش فترة في فرنسا وهو متغير تماما، ليتحدث عن علم الوراثة، وعن النمط الظاهري الذي يمر، حتميا، بالطفرات الوراثية. وحتى قبل ان يذهب، يمكننا استنتاج انه يشعر بانه بدأ يمتلك القوة. حين يقابل احد معارفه، لا يعود يأخذه بالاحضان الدافئة، وانما بتحفظ شديد يقوم رجلنا الجديد بإرسال إيماءة صغيرة وصوته يحمل الهدوء والوقار وكأنه حفيف. لانه يعرف ان هناك في فرنسا صورة نمطية للزنجي الصاخب، وكأنهم يراقبونه: آه...جاء من المارتنيك وهذه هي المرة الاول التي يأتي الى فرنسا.يعلم ان ما يسميه الشعراء "الغرغرة المقدسة" (اسمع الكريول) هي الحد الفاصل بين زنجي لا يجيد الفرنسية وبين الفرنسي.الطبقة المتوسطة في المارتينيك لا يتحدثون الكريول (فرنسي بلهجة افريقية) الا مع الخدم. وفي المدارس يتعلم الاطفال احتقار لهجتهم.

كما ان هناك اسر تمنع استخدام لغة الكريول والامهات تسخر من ابنائها اذا تحدثوا بهذه اللغة:


امي تريد ابنا يعلم

انه اذا لم يتعلم دروس التاريخ

لن يذهب للتنزه في يوم الاحد

ولن يلبس ملابس يوم الاحد

وسيصبح عارا على اسرته

وسيصبح لعنتنا

صه فقد اخبرتك ان تتحدث بالفرنسية

فرنسية فرنسا

فرنسية الفرنسي

الفرنسية الفرنسية

نعم، يجب ان اتحمل الام كلماتي، لانني سأتحمل نتائجها، بكل الاحتقار سيقولون عني: انه حتى لا يحسن التحدث بالفرنسية.

وسط اي مجموعة من الشباب في الانتيليز، الشخص الذي يحسن التعبير عن نفسه، هو المتمكن من اللغة، وهو يدخل الرهبة في قلوب الجميع، الجميع يحذرونه، لانه تقريبا ابيض. في فرنسا يصفون الفصيح بانه يتحدث مثل الكتاب، اما في المارتينيك فيقولون: يتحدث مثل البيض.

حين يصل المارتينيكي الى فرنسا، يعمل جاهدا حتى لا يكون ممن يوصفون بانهم: من لا ينطقون الإغ من المارتينيك. انه لن ينطق إغ فقط، وانما يبالغ في نطقها. يسمع نفسه وهو يتحدث بعدم ثقة، يغلق الباب على نفسه ويقرأ بصوت عال حتى يتمكن من تطويع لسانه، ذلك العضو الصغير المسكين. ليتعلم اللغة.

اخبرني احد معارفي بقصة. نزل احد المارتينيك في لو هارف ودخل حانة، بمنتهى ثقة نادى: جاغغغغغغغغغغسون، احضر لي بييه (يقصد بيرة). المسكين عقله مسمم تماما. لكي يهرب من اسطورة المارتينيكي الذي لا ينطق الإغ، بالغ بشكل مضحك في نطقها.

هناك ظاهرة نفسية معروفة، تكمن في الايمان بان العالم سينفتح لدرجة تكسر الصفوف الامامية. ولان الاسود معزول في جزيرته، مضيق عليه في ابسط حقوقه، فهو يشعر ان اوروبا هي مجال التنفس الوحيد له. ويجب ان نقر كما قال امي سيزار، ان هذه المدينة الرازحة تحت النفوذ الفرنسي، هي مدينة مسطحة وعادية: “مدينة مسطحة، ممدة، متعثرة في بديهياتها، مصابة بوفود المارين عليها الذين لا ينتهون، مشفقة من مصيرها، لا صوت لها، محبطة في كل الاتجاهات، لا تستطيع ان تأكل من ثمار ارضها، مقطوعة، ممنوعة، مطلقة من الرفاهية والازدهار".

وصف سيزار لبلادنا، ليس مجازيا على الاطلاق، إذن فمن المفهوم ان نسمع ان الاسود ذاهب الى فرنسا، وكأنه ذاهب ليولد من جديد.الانسان الاسود ذاهب ليتغير تماما.

ليس هناك منهج للتغيير، الا انه تغيير مستقل تماما عن ارادته وتفكيره، في الولايات المتحدة الامريكية هناك مركز يديره كل من بيرس ووليامسون، اسم هذا المركز: بيكهام. اثبت هاذان العالمان ان تغيرات كيميائية- حيوية تحدث للزوجين بطول العشرة، ويبدو انهما اكتشفا هورمون الحمل في بعض الازواج الذكور الذين تمر زوجاتهم بفترة الحمل.

من المثير حقا تطبيق هذه النظرية على التغيرات الكميائية التي تحدث للزنجي حين يذهب الى فرنسا.

او بالاحرى متابعة التغيرات النفسية التي تحدث للمارتينيكي بعد قضاء شهرا في فرنسا ومقارنتها بتكوينه النفسي قبل الذهاب الى فرنسا.

ما يسمى بالعلوم الانسانية، تعاني من مشكلة درامية، فهل يمكننا ان نضع نموذجا نفسيا مثاليا ونعتبر ان الخروج عليه او الاختلاف عنه يعد مرضا؟ ام ان علينا التوقف عن البحث عن فهم واضح وصلب للنفس الانسانية؟

حين يقرأ الانسان هذا الكلام وقد بلغ الـ29 من عمره، فانه يشعر بانه غير قادر على الحب، وانه عليه ان ينتظر حتى سن الـ49 حتى تنتعش قدراته على التأثر، يشعر الانسان وكأن الارض تميد من تحته. والوسيلة الوحيدة لاستعادة التوازن هو مواجهة المشكلة، لان كل هذه الاكتشافات والتحقيقات تؤدي الى اتجاه واحد: ان تجعل الانسان يعترف انه لا شيء، لا شيء البتة، وانه يجب عليه ان يتخلى عن نرجسيته، التي تجعله يظن انه مختلف عن بقية البشر- الحيوانات.

انه استسلام الانسان للحقيقة.

لقد فكرت كثيرا في ذلك، وامسكت بنرجسيتي بيدي الاثنتين، وادرت ظهري احتقارا لاولئك الذين يجعلون من الانسان مجرد الية. لو كان لا يمكن المناقشة على المستوى الفلسفي، - وهو وسيلة معرفة الانسان لحقيقته – فانني سأعمل على مستوى التحليل النفسي – وهو مستوى الاحباطات، وكأننا نتحدث عن عطل احد الالات.

الاسود يتغير بمجرد وصوله الى فرنسا لان فرنسا بالنسبة له هي المعبد، انه يتغير ليس لان فرنسا هي التي عرفته بمونتسكي، وروسو، وفولتير، ولكن لان فرنسا هي التي صنعت اطباءه، رؤساء الاقسام، وكل الوظائف الصغيرة بداية من العريف "الذي امضى 15 سنة في الخدمة" الى رجل الشرطة الذي ولد في بانسيير.

هناك سحر ما في بعد المسافة، والرجل الذي سيذهب الى فرنسا الاسبوع القادم يخلق حوله هالة من السحر مفعمة بكلمات مثل باريس، مارسيي، السوربون، بيجال، هذه الكلمات هي مفتاح ذبذبات السحر. هو يرحل من المرفأ ويهجر احساسه بالضآلة كلما اقتربت السفينه من وجهته.

هنا يقرأ دليل طفرته، "الوداع ايتها الملابس الافريقية".

الان وقد تركناه على السفينة، فليبحر، سنراه مجددا. ولنذهب لنرحب بواحد من العائدين الى بلده، القادم جديد، والقادم الجديد يظهر نفسه في الحال. لا يجيب الا بالفرنسية، وربما لم يعد يفهم الكرويل. في الفولكلور هناك توضيح ذو صلة بهذه الحالة. بعد عدة اشهر من الاقامة في فرنسا، يعود القروي لعائلته، ثم يذهب الى المزرعة مع والده فوجد بعض المعدات الزراعية، فسألة والده: ماذا تسمون هذه الالات؟ فالقى الاب الآلة الحديدة على قدمي ابنه بعنف، وتلاشى فقدان الذاكرة، علاج ناجع.

قادم جديد، لم يعد يفهم لهجة ابناء وطنه، ويتحدث عن الاوبرا، التي ربما لم يرها الا من مسافة بعيدة، واهم من ذلك، فهو يتبنى المنهج الانتقادي ضد كل ابناء وطنه، ومع اتفه شيء يحدث امامه يتحول الى الناصح والمقرع، هو من يعرف جيدا، تخونه نفسه وهو يتحدث.

وسط السافانا، حيث يمضي الشباب الرازح تحت السلطة الفرنسية وقت فراغهم، يعلن المنظّر: كلنا ينتظر القادم الجديد ليسمعه. وبمجرد انتهاء اليوم الدراسي، يذهب جميعهم الى السافانا، هذه السافانا يبدو انها لها شاعريتها الخاصة، تخيل مربع يبلغ طوله 600 قدم وعرضه 125 قدم، مسيج باشجار التمر هندي المتآكلة. واحدى حوافه عليه تذكار الحرب الضخم (رمز عرفان الامة لابنائها). على الجانب الاخر الفندق الرئيسي للمدينة: وهو عبارة عن مجموعة بائسة من الحصى غير المتجانس، والزلط الذي يتعثر فيه المرء. في وسط هذا ثلاثة او اربعة شباب يسيرون يحيون بعضهم البعض، يجتمعون...لا، انهم ابدا لا يكونون مجموعات، وانما يتسكعون سويا:

كيف الاحوال؟

بخير..وانت؟

بخير..

هكذا الامر منذ خمسين عاما، نعم لقد تم العبث بهذه المدينة حتى اصبحت تلك هي الحياة فيها.



No comments: