دي صور من ريحة الحبايب بعتها لي بابا سعيد زيادة
المقاتل العظيم
يلعن ابو حروق اللسان على ابو العدالة المزيفة والموضوعية الكدابة
والمسألة مش مسألة تار ولا عار بس يعني العدالة الدينية في كل الاديان بتقول
العين بالعين واحنا ما عملناش حتى العين بالعين ده كان قتل اضطراري
اما غير المؤمنين بالاديان فيقدروا يرجعوا لميكيافيللي ولماركس وهما طرفي النقيض
في الفكر العلماني ويشوفوا اقوالهم بخصوص حروق اللسان ورد الاعتداء بالمثل
بل تقدروا ترجعوا لفرويد اللي بيقول ان جزء من علاج المعتدي انه يعتدى عليه
بنفس الطريقة اللي اعتدى بيها عليك وان فيه ناس تركيبتهم النفسية تستوجب
انك لما تنتصر عليهم تدوقهم من نفس اللي عملوه معاك عشان ما يكرروش تصرفاتهم
اللا انسانية مش بس معاك ومع غيرك كمان وانت بكده بتنقذ نفسك وغيرك وبتنقذ
نفس المعتدي ده من انه يكرر ممارساته اللا انسانية تاني لما يشم نفسه ويستعيد قوته
ودي تركيبة تختلف عن تركيبة الناس اللي بتتكسف من نفسها لما ترد عليهم السيئة بالحسنة
والحقيقة اني شايفة ان الجيش بتاعنا قصر قوي في التعامل مع الاسرى ومع القتلى
وبسبب التقصير ده لسة لحد النهاردة الاسرائيليين بيقتلوا اطفال ونساء
ولو المصريين عملوا مع الاسرائيليين بالظبط زي ما عملوا معانا في سبعة وستين
وبنفس الوحشية ونفس الهمجية
كان زمانا كلنا مستريحين من مناظر الاطفال اللي راسهم متفسخة نصين في فلسطين
ولبنان
بس هم المصريين اصل قلبهم علق
وكمان تلوموا الجيش على انه عمل ربع اللي اتعمل فينا
هي كده شكلها خربانة ومش ح تفلح اساسا كويس ان مافيش حرب والا كنتوا وكستونا
افهم من كده ان لو لاقدر الله قامت حرب ح تقف قدام العدو وتقول له
قطعني يا معلم انا اصلي قلبي ضعيف؟
عارفين أبو علي اللي باتشرف بانه يعلق عندي؟
بعت لي رسالة على الميل وفي وسط الكلام قال انه شارك في تلاتة وسبعين
فطلبت منه يحكي لي تجربته
فكتب لي جزء من تجربته
وأنا شفت إنه ح يبقى شر مني وسفالة وقلة ادب
لو قريت الرسالة دي لوحدي وما اشركتكوش معايا في قراءتها
لذلك ارسلت لصاحب الميل وكتبت له رسالة
وانا واقفة على رجليا وبعد ما اديت التحية العسكرية
وطلبت منه الاذن في اني انشر رسالته
واتضح ان ابو علي اللي بيكلمنا صون فاصون ده بطل مصري في حرب تلاتة وسبعين
وحكالنا تجربته
- بعد ما انا اللي طلبت منه انه يتكلم-
يعني لولا كده كان فضل يتواضع ومايقولناش على بطولاته
اتفضلوا الرسالة:
لو تحبى تسمعى عن تجربتى أيام الحرب حاقولك باٍختصار : أنا المقاتل سعيد زياده اللى كان لى شرف قتل الجنرال ابراهام مندلر قائد مدرعات الجبهة الجنوبية يوم 13 أكتوبر 1973 و ليس يوم 14 كما يقول بذلك مؤرخو الحرب .. و حاولت كتير تصحيح هذا الخطأ بدون فائدة .. و كان لى أيضا شرف التصدى للغزو الاٍسرائيلى لمدينة السويس مع أفراد الصاعقة اللى تسربوا للمدينة و أنضموا للمقاومة الشعبية اللى ورت اليهود الويل فى حرب الشوارع .
أصل الحكاية أنى جندت يوم 5 أغسطس 1972 و أنضممت كفرد صاعقة بناءا على توصية من المرحوم المقدم محمد جندى طه اللى كان مكلف باٍختيار أفراد صاعقة من التشكيلات المقاتلة المختلفة .. و أنهيت فترة التدريبات بأنشاص ثم أنضممت و زملائى للسرية 114 صاعقة المرابطة بالزعفرانه .. و هناك تعرفت على سيادة الفريق سعد الشاذلى اللى كان الأب الروحى لأفراد الصاعقة و المظلات اللى هم صفوة رجال الجيش .. و كان بيتردد على السرية من وقت لآخر و بيتابع بنفسه ما وصل له الرجال فى التدريبات .. , أذكر فى مره أنه قال لنا : يا رجاله أحنا بنجهزكم لحاجه ما حدش حايقدر عليها غيركم .. و كان بيشعل فى نفوسنا الحماس و هو بيتابع البيانات العملية لدرجة و الله أننا كنا أحيانا بنأذى بعض من شدة ما كنا واخدين الحكاية بجد ..
سيادة الفريق كان بيتمتع بحب لا يوصف من رجال الجيش .. و كان عارف كل واحد بالاٍسم و كان لما بيتكلم عن معركة التحرير كنتى تحسى أنه بيحكى لك عن حاجه هو شايفها قدام عينيه أو كأنها حاجه حصلت بالفعل و هو بيحكيها لك ..
و قامت الحرب .. و للأسف لم يكن لى شرف الاٍشتراك فى موجة العبور الأولى مع زملائى اللى نقلوهم قبل الحرب بيومين لخط الدفاع الأول و أنضموا لقوات المشاة فى الجيشين التانى و التالت و كان الغرض هو تطعيم قوات المشاة اللى حاتعبر فى الموجة الأولى و كانوا حوالى 23 ألف جندى بعدد من رجال الصاعقة و اللى كان عددهم حوالى 4 آلاف مقاتل ..
كنا بنحترق شوقا لدخول المعارك اللى كنا بنتابعها و كانت أعصابنا بتتحرق كل ما نسمع بلاغ فى الراديو و فى نفس الوقت قام المرحوم المقدم سامى كمال بتكثيف التدريبات على التصويب بصواريخ آر بى جى و ساجر اللى لم تكن معروفة وقتها ..
فى الوقت ده فكرت أنا و 5 من زملائى أننا نهرب فى قارب صيد نستولى عليه بالقوة حتى لو تطلب الأمر القضاء على أصحابه و نعبر خليج السويس و نصل لسيناء و نقطع الطريق على الاٍسرائيليين و نشتبك معهم .. و بدأنا بالفعل فى التخطيط لذلك !! قالك زمان يا نواره العافيه هبله J
يوم 12 أكتوبر حوالى الساعه 12 مساءا أمرنا بالتجمع فى ساحة الوحدة و كان الكثير منا يدوبك لسه راجعين من الخدمة و اللى كانت مراقبة و حراسة الشاطىء بطول 12 كم و الاٍشتباك مع أى محاولة اٍنزال اٍسرائيلى ..
المهم تجمعنا و بدأ سيادة المقدم سامى كمال فى النداء على بعض الأسماء من كشف معاه .. و كانت 60 اٍسم فرد من صفوة رجال الوحدة و كنت منهم .. و صرف الباقيين .. أخدنا لهنجر التجمع فأيقنا أننا سننضم للقتال فى سيناء فأبتهجنا جدا و فوجئنا بوجود شيخ و قسيس J آه و الله ما اعرفش جابوهم منين ! .. و أتكلموا عن فرض الجهاد و حلاوة الشهادة فى سبيل الله و الثبات يوم الزحف .. كانت الدماء تغلى فى عروقنا فبدأ البعض يقول : عارفين الكلام ده كله خلصونا بقى !! فخلصونا بقى J
بعد ساعة بالظبط كانت 3 سيارات نقل عسكرية تسير بنا لنقطة ما على طريق السويس الأدبية حيث حملتنا 3 طائرات هليكوبتر بكامل عتادنا الشخصى و طائرة رابعة كانت محملة بعدد كبير من صواريخ الآر بى جى و ساجر و كنت متخصص فى صواريخ ساجر و بارع فى التعامل معها .. نسيت أقول لك أن المقدم سامى كمال قبل ما نصعد للسيارات النقل شرح لنا المطلوب .. و هو أنه سيتم اٍبرارنا جوا خلف خطوط العدو و سيتم اٍنزالنا فى منطقة ممر الجدى و المطلوب التصدى لرتل مدرعات قادم من مدينة نخل تجاه القوات المصرية اللى عبرت لسحقها يعنى اللى يفوت يموت و أن التعامل مع الدبابات سيكون بالصواريخ و مع أفراد طاقمها بالسلاح الشخصى و التلاحم بالسلاح الأبيض لو تطلب الأمر و القتل بالأيدين العارية فى النهاية لو نفدت كل الأسلحة .
سيناء .. لما وصلنا لمكان الاٍبرار و الله و الله و الله شعرت أن الأرض بتحضنى بنفس الطريقة اللى كانت المرحومة أمى بتحضنى بيها لما كنت بأرجع اجازة .. كتير مننا ما قدرش يمسك نفسه و أترمى على الرمل يحضنه و يبكى بكاء حارق صامت مكبوت .. كان مشهد غريب و رهيب أشباح رجال فى منتهى الشراسة فى ظلام الفجر بيبكوا و بينهنهوا زى الأطفال !! يعنى اللى كان يشوفهم ما يقولش أبدا أن دول بعد ساعات حايعملوا مجزرة رهيبة لم تحدث فى تاريخ الحروب أبدا ..
صباح يوم 13 أكتوبر كان الكل متخذ موقعه و مختفيين بين صخور هضبتين قدام بعض بيشرفوا على المدق اللى منتظر تعدى منه دبابات اليهود .. كان الجو هادىء اٍلا من بعض طائرات الاٍستطلاع الاٍسرائيلى المتوجهه غربا ناحية القنال و بعدها بشويه تشكيلات الفانتوم و السكاى هوك و لاحظت أنها عند عودتها تكون أقل عددا يعنى فيه طائرات بتسقط من عندهم فأستبشرت خيرا ..
حوالى الساعة 3 و نص بدأت الأرض ترتجف و تهتز شيئا فشيئا من هدير جنازير الدبابات الاٍسرائيلى .. الحقيقه شىء رهيب كان و لكن ثبتنا قلوبنا و بدأنا فى قراءة القرآن و تلاوة الشهادة و زمايلنا الأقباط صلبوا و أذكر زميلى الشهيد جندى مجند فوزى لمعى أنه قال بصوت هامس : أظهر عجيبتك يا مار جرجس .
بدأت الدبابات فى الظهور .. و كانت الاٍشارة المتفق عليها لبدء الضرب صاروخ يطلقه الملازم أول أسامه البحيرى يتبعه ضرب مكثف من أفراد الكمين .. كان فى المقدمة مدرعتين اٍستكشاف بتتبعهم دبابة لفتت نظرى و هى جايه تتمخطر من بعيد زى البطه السمينه .. لفتت نظرى لأنها الوحيدة اللى كان عليها هوائى حوالى 3 متر بعكس كل الدبابات التانيه اللى كان الهوائى بتاعها لا يتعدى طوله المتر و نص ..
و لما أصبح الرتل فى مرمى النار أتفتحت عليهم أبواب جهنم .. كانت صواريخ الآر بى جى المحمولة على الكتف بقت بعبع المدرعات لأنهم ما كنوش عاملين حسابهم عليها .. كان معروف وقتها اٍن الدبابة تواجه بدبابة أو بقطع المدفعية الثابتة أو بالطائرات لكن أن توجه بفرد مشاه خفيف الحركة و من السهل أنه يتخذ موقع مناسب علشا ن يضرب الدبابة بصاروخ محمول على الكتف و يشعلل داخلها لدرجة حرارة 1000 درجة مئوية فده ما كانش متوقع !!
ربك و الحق أنا غبت عن كل اللى بيحصل حواليا و ركزت كل اٍهتمامى بالدبابة اللى لفتت نظرى .. و بسم الله الرحمن الرحيم و ما رميت اٍذ رميت و لكن الله رمى .. و ضربت صاروخ ساجر فلق الهواء بأزيزه و فشخ أم البطة السمينة و طير برجها باللى فيه .. مشيت حوالى 10 متر و أصطدمت بمدرعة مضروبة .. لم أرى بدقة أيه اللى حصل بعد كده بسبب الدخان الكثيف حواليها .. و حطيت الصاروخ التانى و ضربت دبابة تانيه و بعدها التالته .. و بدأ اليهود يضربوا على الأماكن اللى حددوها من خلال اٍطلاق الصواريخ .. و أستشهد البعض .. و بدأت الدبابات الأخرى فى الدوران علشان تهرب لكن تابعها الرجال بالآر بى جى .. و بدأ الباقون كما فى الخطة فى التعامل مع جنودهم اللى كانوا بينطوا من الدبابات و هى ماشيه علشان يهربوا و قتلوا منهم العشرات .. و بدأنا نحن حملة صواريخ ساجر فى تغيير مواقعنا و التعامل أيضا مع الجرحى منهم بقتلهم بالسلاح الأبيض و قطع أذن أو أصبع و الاٍحتفاظ بها فى جيوبنا لأن أكثر ما يوجع اليهود أن تدفن جثة ناقصة .. حتى وصلت للدبابة البطة فوجدت 3 منهم قتلى و منهم واحد كبير فى السن كتفه و دراعه الشمال مش موجودين و مرمى جنب الدبابة من الناحية الشمال .. لفت نظرى رتبته على كتفه .. يا نهار زى بعضه !! ده لواء يا جدعان J
رحت شادد السبلايت من على كتفه و أحتفظت به ليومنا هذا ..
تركنا باقى الدبابات و كان عددها بسيط تهرب بناءا على أوامر المقدم سامى كمال لسببين الأول عدم اٍستدراجنا خارج الممر حيث يسهل اٍصطيادنا .. و السبب الثانى ظهور طائرات اٍسرائيلية أتت للاٍشتراك فى المعركة .. فأنسحب ما تبقى من القوة داخل الجبل حاملين بعض الجرحى و تركنا خلفنا الميئوس من نجاتهم و هذا عرف متفق عليه بين أفراد الصاعقة ..
قبل الغروب بنص ساعة تجمعنا فى نقطة متفقين عليها اٍسمها الشط تبعد عن الممر حوالى 15 كيلو و جاءت هليكوبتر واحده فقط لحملنا جميعا و المعروف أنه فى هذه الأحوال لا تبقى الهليكوبتر على الأرض أكثر من دقيقتين اللى يلحق يركب يركب و اللى ما يلحقش له رب اٍسمه الكريم .. و لما نظر الطيار لعددنا قال مش حاينفع كده خففوا الحمولة فرفضنا ترك الجرحى و أعدمنا الأسرى السته بالسلاح الأبيض وسط صراخهم و أذكر واحد فيهم قال لى بالعربى : دخيلك الله دخيلك محمد يا أبن عمى !!
و حملتنا الطائرة و طارت حوالى 30 دقيقة أستغرقناها فى الصمت التام و دعونا لشهدائنا بالرحمة .. هبطنا فى منطقة اٍسمها عوبيد و ألتحق ما تبقى منا بالسرية 112 الجيش الثالث الميدانى حيث قلنا شهاداتنا عن اللى حصل و سجلت و وثقت و لما أبرزت للمحقق النقيب أيمن المفتى سبلايت الجنرال اللى قتلته قلبها بين أيديه غير مصدق و لما تاتى يوم أعلنت اٍسرائيل مصرع مندلر أستدعونى علشان أكلم على التليفون سيادة الفريق سعد الشاذلى اللى هنانى شخصيا و الله و بقيت مش عارف أرد عليه لدرجة أنه قالى أنت سامعنى يا وحش ؟ فقلت له تمام يا افندم و أنا بأغالب دموعى .. و طلب مقابلتى شخصيا أيام الثغرة و كلفنى بمهمة خاصة سببت الرعب لليهود ..
و بعدها انتقلنا للسويسبأبن عمىأ حيث شاركنا المقاومة الشعبية فى التصدى لغزو اليهود قبل العيد الصغير ب3 أيام .. و كانت حرب شوارع رهيبة و دموية .. و على فكرة يا نواره المصرى بيعرف يقتل و بيعرف يدبح و بيعرف يبقى قلبه قاسى قوى قوى .. المصرى وقت اللزوم بيبقى دموى و شرس على عكس ما بيظهر أنه نى و خايب و مالوش فى حاجه بس الحكاية أنه عاوز حاجه تصحيه ..
45 دقيقه أستغرقتها المعركة .. 112 دبابة و مدرعة دمروا تماما .. 76 قتيل اٍسرائيلى من ضمنهم الجنرال مندلر قائد مدرعات الجبهة الجنوبية و اللى كان عبقرى من وجهة نظرهم فى قيادة حروب المدرعات.. 6 أسرى ضباط يهود من رتب مختلفة تم اٍعدامهم قبل الصعود للهليكوبتر اللى رجعتنا .. 34 شهيد مصرى ..
اليوم ده كان أوسخ يوم فى الحرب عند اليهود لأن قبلها بكام يوم تم القضاء على اللواء 190 مدرع بتاع عساف ياجورى و تم أسره فأراد مندلر تحسين صورة سلاح المدرعات بحركة جدعنه راح فيها .. و على حسب ما سمعت بعد كده أنه مندلر ده هو اللى فشخ سلاح المدرعات المصرى فى حرب 67 .. و بسبب هذا الكمين البدائى و نتيجته الكارثية فكرت جولدا مائير فى اٍستعمال السلاح الذرى لحسم المعركة بل و أعطى ديان الأوامر بالفعل لتجهيزه لولا موقف أمريكا ..
حصلت على نوط الواجب العسكرى من الدرجة التانية .. و شهادة تميز من قيادة وحدات الصاعقة .. و شهادة تفوق من سيادة الفريق الجمسى الله يرحمه .. و مكافأة مادية ضخمة من سيادة الفريق سعد (بحسابات الأيام دى حوالى 10 آلاف جنيه) .. و المفارقة أنه بعد أنتهاء الحرب سافرت للجزائر للعمل هناك فى شركة سوناتراك بناءا على توصية من مصر و كان مديرها مصرى الله يرحمه المهندس مصطفى موسى اللى أبنه دلوقتى مش عارف أيه فى حزب الغد .. و تعرفت على الأستاذ سعد زهران اليسارى المصرى الشريف و اللى أصبح بعد كده أستاذى و كنت فى زيارة له فى البيت و كنت بأناقش بنته جميله و كانت من سنى تقريبا فى موضوع وقف اٍطلاق النار و الأستاذ سعد يتابع النقاش بصمت .. و فجأه ضرب جرس الباب و فوجئت بسيادة الفريق سعد يدخل علينا فلما شافنى أستغرق فى نوبة ضحك و قال لى يا أبنى هو أنت ورايا ورايا !! و غرقت فى حضنه و بكيت و بكيت و بكيت و شعرت بجسده ينتفض من الداخل و هو يحاول كتم بكاءه و قال لى شامم فيك ريحة مصر !!
طولت عليكى يا نواره بس أنتى عارفه العواجيز و رغيهم بعد ما بيتواروا فى الظل ..
ربنا معاكى يا بنتى و يوفقك و يبعد عنك كل شر و يحميكى أنتى و جيلك من كل مكروه .. ربنا يهديكى يا بنتى و يثبت اٍيمانك و ينور بصيرتك و يزيدك علم و يرشدك دايما للصواب .. اللهم يا رب حبب خلقك فى نواره و أجعلها دايما محمية بالأحبة و أوصلها لك يا واصل المنقطعين .. اللهم أزح عنا الغمة اللهم أزح عنا الغمة اللهم أزح عنا الغمة .. اللهم يا رب أكتب الشهادة لنواره و ألحقها بشهدائنا فى حواصل الطير الخضر بأعلى عليين أنت القادر المعين ..
عمك / سعيد زياده
أصل الحكاية أنى جندت يوم 5 أغسطس 1972 و أنضممت كفرد صاعقة بناءا على توصية من المرحوم المقدم محمد جندى طه اللى كان مكلف باٍختيار أفراد صاعقة من التشكيلات المقاتلة المختلفة .. و أنهيت فترة التدريبات بأنشاص ثم أنضممت و زملائى للسرية 114 صاعقة المرابطة بالزعفرانه .. و هناك تعرفت على سيادة الفريق سعد الشاذلى اللى كان الأب الروحى لأفراد الصاعقة و المظلات اللى هم صفوة رجال الجيش .. و كان بيتردد على السرية من وقت لآخر و بيتابع بنفسه ما وصل له الرجال فى التدريبات .. , أذكر فى مره أنه قال لنا : يا رجاله أحنا بنجهزكم لحاجه ما حدش حايقدر عليها غيركم .. و كان بيشعل فى نفوسنا الحماس و هو بيتابع البيانات العملية لدرجة و الله أننا كنا أحيانا بنأذى بعض من شدة ما كنا واخدين الحكاية بجد ..
سيادة الفريق كان بيتمتع بحب لا يوصف من رجال الجيش .. و كان عارف كل واحد بالاٍسم و كان لما بيتكلم عن معركة التحرير كنتى تحسى أنه بيحكى لك عن حاجه هو شايفها قدام عينيه أو كأنها حاجه حصلت بالفعل و هو بيحكيها لك ..
و قامت الحرب .. و للأسف لم يكن لى شرف الاٍشتراك فى موجة العبور الأولى مع زملائى اللى نقلوهم قبل الحرب بيومين لخط الدفاع الأول و أنضموا لقوات المشاة فى الجيشين التانى و التالت و كان الغرض هو تطعيم قوات المشاة اللى حاتعبر فى الموجة الأولى و كانوا حوالى 23 ألف جندى بعدد من رجال الصاعقة و اللى كان عددهم حوالى 4 آلاف مقاتل ..
كنا بنحترق شوقا لدخول المعارك اللى كنا بنتابعها و كانت أعصابنا بتتحرق كل ما نسمع بلاغ فى الراديو و فى نفس الوقت قام المرحوم المقدم سامى كمال بتكثيف التدريبات على التصويب بصواريخ آر بى جى و ساجر اللى لم تكن معروفة وقتها ..
فى الوقت ده فكرت أنا و 5 من زملائى أننا نهرب فى قارب صيد نستولى عليه بالقوة حتى لو تطلب الأمر القضاء على أصحابه و نعبر خليج السويس و نصل لسيناء و نقطع الطريق على الاٍسرائيليين و نشتبك معهم .. و بدأنا بالفعل فى التخطيط لذلك !! قالك زمان يا نواره العافيه هبله J
يوم 12 أكتوبر حوالى الساعه 12 مساءا أمرنا بالتجمع فى ساحة الوحدة و كان الكثير منا يدوبك لسه راجعين من الخدمة و اللى كانت مراقبة و حراسة الشاطىء بطول 12 كم و الاٍشتباك مع أى محاولة اٍنزال اٍسرائيلى ..
المهم تجمعنا و بدأ سيادة المقدم سامى كمال فى النداء على بعض الأسماء من كشف معاه .. و كانت 60 اٍسم فرد من صفوة رجال الوحدة و كنت منهم .. و صرف الباقيين .. أخدنا لهنجر التجمع فأيقنا أننا سننضم للقتال فى سيناء فأبتهجنا جدا و فوجئنا بوجود شيخ و قسيس J آه و الله ما اعرفش جابوهم منين ! .. و أتكلموا عن فرض الجهاد و حلاوة الشهادة فى سبيل الله و الثبات يوم الزحف .. كانت الدماء تغلى فى عروقنا فبدأ البعض يقول : عارفين الكلام ده كله خلصونا بقى !! فخلصونا بقى J
بعد ساعة بالظبط كانت 3 سيارات نقل عسكرية تسير بنا لنقطة ما على طريق السويس الأدبية حيث حملتنا 3 طائرات هليكوبتر بكامل عتادنا الشخصى و طائرة رابعة كانت محملة بعدد كبير من صواريخ الآر بى جى و ساجر و كنت متخصص فى صواريخ ساجر و بارع فى التعامل معها .. نسيت أقول لك أن المقدم سامى كمال قبل ما نصعد للسيارات النقل شرح لنا المطلوب .. و هو أنه سيتم اٍبرارنا جوا خلف خطوط العدو و سيتم اٍنزالنا فى منطقة ممر الجدى و المطلوب التصدى لرتل مدرعات قادم من مدينة نخل تجاه القوات المصرية اللى عبرت لسحقها يعنى اللى يفوت يموت و أن التعامل مع الدبابات سيكون بالصواريخ و مع أفراد طاقمها بالسلاح الشخصى و التلاحم بالسلاح الأبيض لو تطلب الأمر و القتل بالأيدين العارية فى النهاية لو نفدت كل الأسلحة .
سيناء .. لما وصلنا لمكان الاٍبرار و الله و الله و الله شعرت أن الأرض بتحضنى بنفس الطريقة اللى كانت المرحومة أمى بتحضنى بيها لما كنت بأرجع اجازة .. كتير مننا ما قدرش يمسك نفسه و أترمى على الرمل يحضنه و يبكى بكاء حارق صامت مكبوت .. كان مشهد غريب و رهيب أشباح رجال فى منتهى الشراسة فى ظلام الفجر بيبكوا و بينهنهوا زى الأطفال !! يعنى اللى كان يشوفهم ما يقولش أبدا أن دول بعد ساعات حايعملوا مجزرة رهيبة لم تحدث فى تاريخ الحروب أبدا ..
صباح يوم 13 أكتوبر كان الكل متخذ موقعه و مختفيين بين صخور هضبتين قدام بعض بيشرفوا على المدق اللى منتظر تعدى منه دبابات اليهود .. كان الجو هادىء اٍلا من بعض طائرات الاٍستطلاع الاٍسرائيلى المتوجهه غربا ناحية القنال و بعدها بشويه تشكيلات الفانتوم و السكاى هوك و لاحظت أنها عند عودتها تكون أقل عددا يعنى فيه طائرات بتسقط من عندهم فأستبشرت خيرا ..
حوالى الساعة 3 و نص بدأت الأرض ترتجف و تهتز شيئا فشيئا من هدير جنازير الدبابات الاٍسرائيلى .. الحقيقه شىء رهيب كان و لكن ثبتنا قلوبنا و بدأنا فى قراءة القرآن و تلاوة الشهادة و زمايلنا الأقباط صلبوا و أذكر زميلى الشهيد جندى مجند فوزى لمعى أنه قال بصوت هامس : أظهر عجيبتك يا مار جرجس .
بدأت الدبابات فى الظهور .. و كانت الاٍشارة المتفق عليها لبدء الضرب صاروخ يطلقه الملازم أول أسامه البحيرى يتبعه ضرب مكثف من أفراد الكمين .. كان فى المقدمة مدرعتين اٍستكشاف بتتبعهم دبابة لفتت نظرى و هى جايه تتمخطر من بعيد زى البطه السمينه .. لفتت نظرى لأنها الوحيدة اللى كان عليها هوائى حوالى 3 متر بعكس كل الدبابات التانيه اللى كان الهوائى بتاعها لا يتعدى طوله المتر و نص ..
و لما أصبح الرتل فى مرمى النار أتفتحت عليهم أبواب جهنم .. كانت صواريخ الآر بى جى المحمولة على الكتف بقت بعبع المدرعات لأنهم ما كنوش عاملين حسابهم عليها .. كان معروف وقتها اٍن الدبابة تواجه بدبابة أو بقطع المدفعية الثابتة أو بالطائرات لكن أن توجه بفرد مشاه خفيف الحركة و من السهل أنه يتخذ موقع مناسب علشا ن يضرب الدبابة بصاروخ محمول على الكتف و يشعلل داخلها لدرجة حرارة 1000 درجة مئوية فده ما كانش متوقع !!
ربك و الحق أنا غبت عن كل اللى بيحصل حواليا و ركزت كل اٍهتمامى بالدبابة اللى لفتت نظرى .. و بسم الله الرحمن الرحيم و ما رميت اٍذ رميت و لكن الله رمى .. و ضربت صاروخ ساجر فلق الهواء بأزيزه و فشخ أم البطة السمينة و طير برجها باللى فيه .. مشيت حوالى 10 متر و أصطدمت بمدرعة مضروبة .. لم أرى بدقة أيه اللى حصل بعد كده بسبب الدخان الكثيف حواليها .. و حطيت الصاروخ التانى و ضربت دبابة تانيه و بعدها التالته .. و بدأ اليهود يضربوا على الأماكن اللى حددوها من خلال اٍطلاق الصواريخ .. و أستشهد البعض .. و بدأت الدبابات الأخرى فى الدوران علشان تهرب لكن تابعها الرجال بالآر بى جى .. و بدأ الباقون كما فى الخطة فى التعامل مع جنودهم اللى كانوا بينطوا من الدبابات و هى ماشيه علشان يهربوا و قتلوا منهم العشرات .. و بدأنا نحن حملة صواريخ ساجر فى تغيير مواقعنا و التعامل أيضا مع الجرحى منهم بقتلهم بالسلاح الأبيض و قطع أذن أو أصبع و الاٍحتفاظ بها فى جيوبنا لأن أكثر ما يوجع اليهود أن تدفن جثة ناقصة .. حتى وصلت للدبابة البطة فوجدت 3 منهم قتلى و منهم واحد كبير فى السن كتفه و دراعه الشمال مش موجودين و مرمى جنب الدبابة من الناحية الشمال .. لفت نظرى رتبته على كتفه .. يا نهار زى بعضه !! ده لواء يا جدعان J
رحت شادد السبلايت من على كتفه و أحتفظت به ليومنا هذا ..
تركنا باقى الدبابات و كان عددها بسيط تهرب بناءا على أوامر المقدم سامى كمال لسببين الأول عدم اٍستدراجنا خارج الممر حيث يسهل اٍصطيادنا .. و السبب الثانى ظهور طائرات اٍسرائيلية أتت للاٍشتراك فى المعركة .. فأنسحب ما تبقى من القوة داخل الجبل حاملين بعض الجرحى و تركنا خلفنا الميئوس من نجاتهم و هذا عرف متفق عليه بين أفراد الصاعقة ..
قبل الغروب بنص ساعة تجمعنا فى نقطة متفقين عليها اٍسمها الشط تبعد عن الممر حوالى 15 كيلو و جاءت هليكوبتر واحده فقط لحملنا جميعا و المعروف أنه فى هذه الأحوال لا تبقى الهليكوبتر على الأرض أكثر من دقيقتين اللى يلحق يركب يركب و اللى ما يلحقش له رب اٍسمه الكريم .. و لما نظر الطيار لعددنا قال مش حاينفع كده خففوا الحمولة فرفضنا ترك الجرحى و أعدمنا الأسرى السته بالسلاح الأبيض وسط صراخهم و أذكر واحد فيهم قال لى بالعربى : دخيلك الله دخيلك محمد يا أبن عمى !!
و حملتنا الطائرة و طارت حوالى 30 دقيقة أستغرقناها فى الصمت التام و دعونا لشهدائنا بالرحمة .. هبطنا فى منطقة اٍسمها عوبيد و ألتحق ما تبقى منا بالسرية 112 الجيش الثالث الميدانى حيث قلنا شهاداتنا عن اللى حصل و سجلت و وثقت و لما أبرزت للمحقق النقيب أيمن المفتى سبلايت الجنرال اللى قتلته قلبها بين أيديه غير مصدق و لما تاتى يوم أعلنت اٍسرائيل مصرع مندلر أستدعونى علشان أكلم على التليفون سيادة الفريق سعد الشاذلى اللى هنانى شخصيا و الله و بقيت مش عارف أرد عليه لدرجة أنه قالى أنت سامعنى يا وحش ؟ فقلت له تمام يا افندم و أنا بأغالب دموعى .. و طلب مقابلتى شخصيا أيام الثغرة و كلفنى بمهمة خاصة سببت الرعب لليهود ..
و بعدها انتقلنا للسويسبأبن عمىأ حيث شاركنا المقاومة الشعبية فى التصدى لغزو اليهود قبل العيد الصغير ب3 أيام .. و كانت حرب شوارع رهيبة و دموية .. و على فكرة يا نواره المصرى بيعرف يقتل و بيعرف يدبح و بيعرف يبقى قلبه قاسى قوى قوى .. المصرى وقت اللزوم بيبقى دموى و شرس على عكس ما بيظهر أنه نى و خايب و مالوش فى حاجه بس الحكاية أنه عاوز حاجه تصحيه ..
45 دقيقه أستغرقتها المعركة .. 112 دبابة و مدرعة دمروا تماما .. 76 قتيل اٍسرائيلى من ضمنهم الجنرال مندلر قائد مدرعات الجبهة الجنوبية و اللى كان عبقرى من وجهة نظرهم فى قيادة حروب المدرعات.. 6 أسرى ضباط يهود من رتب مختلفة تم اٍعدامهم قبل الصعود للهليكوبتر اللى رجعتنا .. 34 شهيد مصرى ..
اليوم ده كان أوسخ يوم فى الحرب عند اليهود لأن قبلها بكام يوم تم القضاء على اللواء 190 مدرع بتاع عساف ياجورى و تم أسره فأراد مندلر تحسين صورة سلاح المدرعات بحركة جدعنه راح فيها .. و على حسب ما سمعت بعد كده أنه مندلر ده هو اللى فشخ سلاح المدرعات المصرى فى حرب 67 .. و بسبب هذا الكمين البدائى و نتيجته الكارثية فكرت جولدا مائير فى اٍستعمال السلاح الذرى لحسم المعركة بل و أعطى ديان الأوامر بالفعل لتجهيزه لولا موقف أمريكا ..
حصلت على نوط الواجب العسكرى من الدرجة التانية .. و شهادة تميز من قيادة وحدات الصاعقة .. و شهادة تفوق من سيادة الفريق الجمسى الله يرحمه .. و مكافأة مادية ضخمة من سيادة الفريق سعد (بحسابات الأيام دى حوالى 10 آلاف جنيه) .. و المفارقة أنه بعد أنتهاء الحرب سافرت للجزائر للعمل هناك فى شركة سوناتراك بناءا على توصية من مصر و كان مديرها مصرى الله يرحمه المهندس مصطفى موسى اللى أبنه دلوقتى مش عارف أيه فى حزب الغد .. و تعرفت على الأستاذ سعد زهران اليسارى المصرى الشريف و اللى أصبح بعد كده أستاذى و كنت فى زيارة له فى البيت و كنت بأناقش بنته جميله و كانت من سنى تقريبا فى موضوع وقف اٍطلاق النار و الأستاذ سعد يتابع النقاش بصمت .. و فجأه ضرب جرس الباب و فوجئت بسيادة الفريق سعد يدخل علينا فلما شافنى أستغرق فى نوبة ضحك و قال لى يا أبنى هو أنت ورايا ورايا !! و غرقت فى حضنه و بكيت و بكيت و بكيت و شعرت بجسده ينتفض من الداخل و هو يحاول كتم بكاءه و قال لى شامم فيك ريحة مصر !!
طولت عليكى يا نواره بس أنتى عارفه العواجيز و رغيهم بعد ما بيتواروا فى الظل ..
ربنا معاكى يا بنتى و يوفقك و يبعد عنك كل شر و يحميكى أنتى و جيلك من كل مكروه .. ربنا يهديكى يا بنتى و يثبت اٍيمانك و ينور بصيرتك و يزيدك علم و يرشدك دايما للصواب .. اللهم يا رب حبب خلقك فى نواره و أجعلها دايما محمية بالأحبة و أوصلها لك يا واصل المنقطعين .. اللهم أزح عنا الغمة اللهم أزح عنا الغمة اللهم أزح عنا الغمة .. اللهم يا رب أكتب الشهادة لنواره و ألحقها بشهدائنا فى حواصل الطير الخضر بأعلى عليين أنت القادر المعين ..
عمك / سعيد زياده
=====
شايفين الناس يا ناس؟
جتنا نيلة في حظنا الهباب
No comments:
Post a Comment