ملحوظة: فانون كان حارب معانا في الجزائر لحد ما عيي ومات الله يرحمه
وعلى فكرة، انا قفشت نفسي في احد الحالات اللي بيحللها، الحتة بتاعة بيتبسط في الكلام زيادة عن اللزوم عشان يعمل نفسه قال يعني شعبي، وحكاية اني اشرح بدال الناس اللي مش متعلمين للناس التانية هم يقصدوا ايه: انت مش فاهم قصده هو يقصد..اصل انا عارفاهم...على اساس انهم فصيلة يعني
shame on me
بالعنجليزي
اليكم الجزء الاخير من الفصل الاول:
يقول الدكتور هـ. ل. جوردون، الطبيب النفسي بمستشفى مثاري للامراض العقلية بنيروبي في احدى مقالاته: قمنا باجراء فحوصات دقيقة وعالية التقنية على 100 مواطن من السكان الاصليين سليمي العقل وتبين لنا بالعين المجردة ومن خلال الميكروسكوب مؤشرات على تأصل تدني عقلي بكمية كبيرة. ووصلت كمية التدني الى نسبة 14.8 بالمائة.
قيل ان الاسود هو حلقة الوصل بين القرد والانسان، ويقصد بالانسان هو الانسان الابيض بالطبع. وفقط في الصفحة 108 يصل السير الان برنز الى الاستنتاج بان "لا نستطيع ان نثبت علميا بان الانسان الاسود اقل من الانسان الابيض او انه ينتمي الى فصيلة اخرى" ودعوني اضيف انه من السهل جدا اثبات العبثية في مقتطف كهذا: “انه مذكور في الكتاب المقدس ان التفرقة بين السود والبيض ستكون في السماء كما هي على الارض، وان هؤلاء السود الذين سيسمح لهم بدخول مملكة الرب سيتم تسكينهم في اماكن خصصها لهم الآب وهي مذكورة في العهد الجديد". او مقتطف آخر كهذا: “نحن شعب الله المختار – انظروا الى لون بشرتنا بينما الاخرون سود او صفر بسبب خطاياهم".
آه، نعم، بالطبع يمكنك ان ترى حين تنادي بالانسانية، بالايمان بالكرامة، بالحب، بالخير، فيكون من السهل اثبات، او انتزاع الاعتراف بان السود يساوون البيض. لكن هدفي مختلف تماما: ما اريده هو تخليص الاسود من ترسانة العقد التي تسبب له فيها مناخ الاستعمار. السيد اخيل، الذي يدرس في الليسيه دي بارك في ليون، حكى، في احدى محاضراته، عن تجربة شخصية مرت به. انها خبرة معروفة عالميا، حادث لزنجي يعيش في فرنسا، الامر الذي لا يتكرر كثيرا، ولانه كاثوليكي فان السيد اخيل شارك في رحلة حج طلابية. شاهده احد الواعظين ملاحظا بشرته السوداء، فنادى عليه: “انت ايها السافانا...اذهب بعيدا...ماذا تفعل هنا؟" اجابه بادب وصدق بانه هرب من السافانا لمصير اسوأ، فضحك الجميع ثم سار في طريقه الى الحج. ولكننا اذا توقفنا هنا، نلاحظ ان الواعظ تحدث الى السيد اخيل بالفرنسية ذات اللكنة الافريقية مما يعني عدة ملاحظات:
1- آه أنا اعرف السود، يجب ان نتحدث اليهم بطيبة، فنحدثهم عن بلادهم، المسألة كلها تتعلق بمعرفتك كيف تتحدث الى هؤلاء، على سبيل المثال..... ثم يتحدث بلكنة افريقية.
انا لا ابالغ حين اقول ذلك، الرجل الابيض يتحدث الى الاسود وكأنه يتحدث الى طفل، يبتسم بتكلف، يهمس، يعطيه اوامر، يضحك عليه، انا لم ار رجلا ابيضا واحدا يفعل ذلك، بل مئات من البيض يفعلون ذلك. ولم اقيد دراستي في طبقة اجتماعية واحدة، ولكن، ولاثبت موضوعية بحثي، تعاملت مع الاطباء، الشرطة، الموظفين، سيقول لي البعض انني كان يجب ان اركز انتباهي على اماكن واشخاص مختلفين، فما توصلت له لا ينطبق على كل البيض.
اجيب على هذه الاعتراضات ان موضوع دراستنا هي المغفلين ومن يستغفلونهم. المبعدين، واذا كان بعض البيض يتصرفون بشكل طبيعي حين يقابلون الزنوج فهم بالتأكيد ليسوا موضوع الدراسة. اذا كان كبد مريضي يعمل كما يجب، فلن اخذ هذا امر مسلم به ان كليتيه سليمتين.وبما انني وجدت كبده طبيعيا فسأتركه لطبيعته وهو الامر الطبيعي، وسألتفت للكلى: ومن الواضح ان الكلى مريضة، مما يعني ببساطة انه بالرغم من وجود اناس طبيعيون يتصرفون بشكل انساني سليم، الا انه يعيش بجوارهم اناس مرضى يتصرفون بشكل غير انساني ومريض. والواقع ان وجود هؤلاء المرضى نتج عنه بعض الاوضاع التي نأمل ان نمحوها ونتخلص منها.
الحديث مع الزنجي بهذه الطريقة هي وسيلة جيدة لكي ننزل لمستواهم، ونشعرهم بالالفة، لكي يفهموننا ويطمئنون الينا.
اطباء الخدمة العامة يعرفون ذلك جيدا، عشرون مريض اوروبي يأتون واحدا بعد الاخر فيوجه الطبيب اليهم حديثه: من فضلك اقعد، ايه سبب ان حضرتك بتستشيرني؟ ايه الاعراض اللي بتشتكي منها؟ ثم يأتي احد الزنوج او العرب فيتحدث اليه الطبيب هكذا: تعالى ياه...اقعد..مالك؟ فيه حاجة بتوجعك؟ هاه؟
2- حين تتحدث اللغة بلكنة افريقية مع الزنجي، فذلك يغضبه، لانه هو نفسه يتحدث اللغة بلكنة، سيأتي من يقول لي انه ليس هناك نية او تعمد لاغضابه، وانا متأكد من ذلك، ولكن، ما يغضبنا هو بالتحديد عدم النية او التعمد للاغضاب، بقول اخر عدم الاكتراث، وكأن هذا التصرف هو تصرف تلقائي وطبيعي، انهم يشعرون تلقائيا اننا بدائيون، اننا غير متحضرين، ولذلك فهم لا يتعمدون اغضابنا بهذه الطريقة في الحديث معنا، بل انهم لا يشعرون اننا نغضب، هذا ما يغضبنا.
حين يتحدث احدهم للافريقي او العربي بلكنة دون اي نية سيئة او تعمد للاغضاب فهذا يعني انه يتصرف كذلك بدون تفكير، انا نفسي ضبطت نفسي وانا اقوم بالحديث بهذه الطريقة مع بعض المرضى.
حين كنت افحص المرأة ذات الثالثة والسبعين، والتي كانت تعاني من مشاكل عقلية، وهي الان ذهبت الى ابعد حدود الخرف، فجأة لاحظت الانتقالات السلوكية التي لمستني وحاولت ان المس بها المريضة. فوجدت انني تبنيت لغة مناسبة للخرف، لذهاب العقل الذي كانت تعاني منه المرأة؛ "هبطت الى مستواها" في الحديث، هذه الحقيقة جعلتني اتنبه الى وصمة العار التي تعلق بسلوكي، بنفسي، انني اتعامل باهمال مع من هم "اقل مني" من الناس.
يالك من مثالي، هكذا سيقول بعض الناس. لست مثاليا بالمرة: الحقيقة ان الاخرين الذين لا يحاسبون انفسهم على سلوكهم هم الوضيعون. لقد تحدثت الى من يسمونهم "العرب المتوحشون" (البيكوت) باللغة الفرنسية السليمة، ووجدتهم يفهمونني جيدا، ويجيبونني باساليب مختلفة، لكنني احاول ان افهمهم دون ان انتهج منهجا ابويا لتفسير ما يقصدونه:.
اهلا يا معلم، ايه اللي واجعك...ها؟ بطنك؟ قلبك؟
دائما ما تملأ العيادات هذه الجمل غير المحددة والسوقية للتفاهم مع العرب والافارقة. وسيكون هذا الاسلوب في الحوار مبرر حين يجيب المريض بنفس الطريقة. “اترى، لم نكن نضحك عليك، هذا هو الاسلوب الامثل في التعامل معهم".
وحين يحدث العكس، فيجب على المرء ان يغير من طريقته في اصطناع التبسط ويتصرف كرجل. تنهار المنظومة الفكرية تماما حين يجيب الاسود: “انا مش ولا ولا واد ولا ياه يا سيد..” شيء جديد تحت الشمس.
ولكن علينا ان ننزل الى مكان اخر، انت في حانة، ولنقل في ريون او سترازبرج، ثم يوقعك حظك العاثر في ان تلفت نظر عجوز سكران، سيجلس الى طاولتك: انت افريقي...داكار...روفيسك...بيوت الدعارة...الفاظ نابية...مقاهي...المانجو...الموز، لا تملك الا ان تقف ثم تترك المكان، فيكون وداعه لك هو سيل من الاهانات: لا تستطيع ان تمثل هذا الدور في ادغالك ايها الزنجي القذر.
وصف مانوي ما اسماه عقدة بروسبيرو (بروسبيرو ده اسم لبطل مسرحية العاصفة بتاعة شيكسبير، المفروض انه دوق واتاخد منه حقه وربنا غضب عليه عشان جوز بنته لتونسي). سوف نعود الى هذه الاكتشافات لنتبين حقيقة النفسية الاستعمارية. وتلخيصا لما سبق يمكن ان نقول ان الحديث مع الاسود او العربي بلكنة او باسلوب سوقي لا يعني سوى هذه الجملة: اعرف قدرك وخليك فيه.
اقابل روسي او الماني ويتحدث كل منهم فرنسية سيئة للغاية، اعطيهم الاجابات عن اسئلتهم بالاشارات، لكنني لا انسى ابدا ان لديه لغة خاصة به، ان له بلد، وربما يكون محاميا او مهندسا في بلاده، في كل الاحوال، هو اجنبي بالنسبة لي ولقومي، ومستواه بالطبع مختلف عنا.
لكن في حالة الزنجي، لا شيء من هذا ابدا، ليس لديه ثقافة، او حضارة، وتاريخه لم يعد له وجود.
ربما يكون هذا هو سبب نضال الاسود المعاصر: ليثبت الاسود ان له حضارة، يريد ان يثبتها للبيض، ولكل العالم، مهما كلفه الامر.
رغما عنه، يضطر الافريقي ان يرتدي الزي الذي خاطه له الابيض، انظر الى صور مجلات الاطفال: كل زنجي لا يخرج من فمه الا كلمة واحدة "تحت امرك يا سيدي"، وهي واضحة اكثر في افلام الكارتون. كل الافلام الامريكية المدبلجة باللغة الفرنسية لا تقدم الا صورة الزنجي: المطيع جدا.
في احدى هذه الافلام، "اسماك القرش"، نجد زنجيا نمطيا ضمن طاقم الغواصة، يتحدث بلكنة افريقية، يمشي بظهره، سريع الغضب لاقل تصرف يصدر من الضابط الابيض المسكين، وبالطبع قتل في اثناء الرحلة، الا انني مقتنع ان الحوار الاصلي لم يلجأ الى نفس التعبيرات المستخدمة في الدبلجة. وحتى لو كان الامر كذلك، لا ارى لماذا تقوم فرنسا الديمقراطية التي تفرض سيطرتها على ستين مليون ملون بعرض ودبلجة كل الغباء الذي يأتيهم عبر المحيط؟اعتقد ان ذلك لان الاسود يجب ان يتم تنميطه في صورة معينة. وبداية من فيلم "بلا رحمة" الحيث الزنجي يتحدث: اسرق انا لا، اكذب انا لا، اعمل انا جاهدا. الى الخادمة الافريقية في فيلم "مبارزة في الشمس" سنجد نفس الصورة النمطية.
نعم، يجب ان يكون الانسان الاسود زنجي مطيع، وبمجرد ان يستقر هذا المفهوم في عقولهم، ستسهل كل تبعات هذا الوضع.
دفعه الى الحديث بلغة سوقية يسهل ان تجعل منه دمية، ان توقعه في الفخ، ان تحبسه، الضحية الابدية لك يظل بجوهر ومظهر بائسين وليس مسؤلا عنهما. وبالطبع، يجب ان تراقب الاسود الذي يتحدث بلغة راقية ويأخذ، في حديثه مقتطفا من مونتزيكوي، تماما كما تفعل مع اليهودي الذي تفاجأ بانه يبذل مالا كثيرا بلا حساب. ارجو ان تفهموني جيدا: تراقبه بمعنى انك تترقب منه ان يفعل شيئا جديدا. بالطبع انا لا اطرح ان الطالب الاسود تثار حوله الشكوك من قبل زملائه ومعلميه، لكن خارج الحرم الجامعي، هناك جيشا من الحمقى: تعليم الاسود ليس هو ما يهمني، ولكن ما يهمني هو تعليمه الا يكون العبد النمطي.
انا اؤكد ان هذا التدني العقلي هو نتيجة اوضاع نفسية واقتصادية. لكن علينا ان نتوقف عن الاستسلام لذلك.
حين يتحدث الاسود عن ماركس يكون رد الفعل دائما هكذا: “رفعناكم الى مستوانا والان تنقلبون علينا. يا ناكري الجميل، واضح انه لا نفع منكم.” ثم يتحدثون كصاحب المزرعة الذي يمسك بالعصا ليؤدب عبيده: “عدونا الاول هو المعلم" .
ما اؤكده ان الاوروبي لديه صورة ثابتة عن الاسود، وليس هناك اكثر اثارة للاعصاب من ان تسأل: منذ متى وانت في فرنسا؟ انت تتحدث الفرنسية بشكل جيد جدا.
قد يقول البعض ان هذه الجملة تقال لان الكثير من السود يتحدثون بلكنة. لكن هذا تفسير ابسط من اللازم، فانت في القطار وتسأل احدهم: عفوا سيدي، هل اطمع في ان ترشدني الى عربة الطعام؟
فيجيبك: طبعا يا عم، بص، تخرج من الباب ده كده، فاهم؟ تمشي في الكوريدور، واخد بالك؟ تفضل ماشي على طول، ها؟ تفوت اول عربية، تاني عربية برضه تعدي منها، توصل تالت عربية تبقى وصلت.
لا، الكلام بهذه الطريقة يحبس الاسود، انها تخلق حالة دائمة من الصراع حيث يقوم الابيض بحقن الاسود باجساد خطرة وغريبة. ليس هناك شيء اكثر صدمة من ان يتحدث الاسود بلغة مفهومة وسليمة، لان ذلك معناه انه قد وضع نفسه ضمن البيض. اتيحت لي الفرصة للتحدث مع طلبة من اصول اجنبية. وهم يتحدثون فرنسية سيئة، حينها يكون كروزو الصغير، او بروسبيرو يكون مرتاحا: يشرح ويفسر ويساعدهم في دراستهم. لكن في معاملته مع الاسود فهو متحير تماما؛ فالاسود قد جعل من نفسه مساويا له في المعرفة. ومعه لا يمكن ان تلعب هذه اللعبة، انه نسخة طبق الاصل من الرجل الابيض. اذن فليس هناك شيء يمكن فعله سوى الاستسلام.
بعد كل ما قيل، سيكون مهمة الرجل الاسود ان يقول لا لاولئك الذين يريدون ان يرسموا له صورة نمطية. مفهوم ان اول فعل للرجل الاسود ما هو الا رد فعل. حيث ان الرجل الاسود يقييم من خلال درجة مماثلته للابيض، ولذلك فمفهوم لماذا يتحدث القادم الجديد باللغة الفرنسية فقط، انه يؤكد ذلك التمزق الذي حدث، انه يبعث من داخله رجلا جديدا يفرضه على اهله وعشيرته، وبذلك لا تستطيع امه انت تفهمه حين يحدثها عن احباطاته، عن اجتماعات الاسرة المنحطة، عن الغباء...كل ذلك يقوله بلغة فرنسية راقية وبلكنة مضبوطة.
في كل بلد في العالم، هناك متسلقون، اولئك "الذين ينسون اصلهم ومن هم"، وفي مقابلهم، الناس "الذين يتذكرون دائما من هم ومن اين اتوا"، الرجل من الانتيلز الذي يعود ليتحدث بنفس لهجته ولكنته ليعلن لاهله انه لم يتغير قيد انملة. تستطيع ان تشعر بذلك على الرصيف الذي ينتظرك فيه اهلك ومحبيك حين تعود. يحتاجون الى دقيقة او دقيقتان ليشخصوا الوضع. اذا قال القادم الجديد: انا سعيد جدا اني معاكم، ياساتر..الجو ماله حر كده، لا انا ما اعتقدش اني ح اقدر استحمل الحر ده مدة طويلة. فسيعرفون ان القادم الجديد تحول الى اوروبي.
في مجموعة محدودة اكثر، حين يتقابل طلبة الانتيليز هناك احتمالان امامهم:
اما ان يقف في صف العالم الابيض (العالم الحقيقي كما يظن) و، بما انهم سيتحدثون الفرنسية، على من اختار هذا الخيار الاوروبي ان يواجه في حديثه "مشاكل معينة" ويكون اميل الى "تحليل عالمي" ليصل الى "استنتاجاته".
او، ان يرفض العالم الاوروبي والجنس الاوروبي، (اليو) ويلتصق ببني وطنه من خلال لهجتهم، ويكونون اكثر ارتياحا حيث يتشاركون ما يدعى التردد المارتينيكي. انا اعني بالتحديد اخواني من الانتيلز، حيث ان اي طالب منا سواء في فرنسا او في اي مكان اخر يحاول دراسة اي مشكلة ما بجدية، فانه يتهم بتضخيم الذات.وافضل وسيلة لاحباطه، هو تذكيره باصله الانتيليزي من خلال التحدث اليه بلهجته. هذه احد الاسباب التي تؤدي الى انهيار الصداقات بين الانتيليز بعد قضاء فترة في باريس.
موضوعي الرئيسي هو تخليص الاسود من حالة الاغتراب. اريده ان يعلم انه، اينما وجد عدم التفاهم بينه وبين اخوته السود في حضور الرجل الابيض فدائما ما سينتج عن ذلك سوء الحكم على الامور.
حين يتعلم السنغالي لغة الكريول ليمر الى الانتيليز بوصفه من اهلها انا اسمي ذلك اغترابا.
الانتيليز الذين يعرفونه لا يكفون عن اطلاق النكات عليه، انا اسمي ذلك، سوء حكم.
اظن اننا لم نخطئ حين قمنا بدراسة عنصر اللغة الخاص بالانتيليز لنصل الى استنتاجات وتفسيرات ونعرف بعض خصائص عالمه. اعتقد ان اللغة تبقى على الجدار الذي تستند اليه اي جماعة انسانية.
التحدث بلغة معينة تعني خلق عالم معين. الانتيليزي الذي يريد ان يقترب من الابيض سيكون اكثر اقترابا لمصافه حين يمتلك المادة الثقافية الا وهي اللغة. منذ حوالي اكثر من سنة في ليون، اتذكر انني كنت احاضر في مقارنة بين الشعر الافريقي والشعر الاوروبي، قال لي احد معارفي الفرنسيين في حماس: انت اوروبي في اعماقك. مجرد انني تمكنت من البحث والتحليل والمحاضرة باللغة الفرنسية فهذا منحني "شرف" المواطنة الاوروبية.
تاريخيا كان الاسود يريد ان يتحدث الفرنسية ليتمكن من فتح الابواب المغلقة في وجهه منذ اكثر من خمسين عاما. في هذه الدراسة نجد الانتيليزي يبحث عن الثقافة والترقي في اللغة حتى يثبت انه ارتقى الى المستوى الثقافي للبيض. يقال ان الخطيب الانتيليزي لديه من البلاغة ما يكتم انفاس الفرنسي. هذه المقولة تذكرني بقصة: الحملة الانتخابية عام 1945، امي سيزار المرشح للمجلس النيابي، كان يوجه خطابا لطلبة احد المدارس الواقعة تحت الحماية الفرنسية. في منتصف خطابه اغمي على احدى السيدات. في اليوم التالي اخبرني احد معارفي عن سبب ذلك قائلا: قوة اللغة.
هناك حقائق اخرى تسترعي الانتباه: على سبيل المثال، شارل اندريه جوليان كان يقدم امي سيزار بوصفه "شاعر زنجي، وخريج جامعة" او وصف اخر: “الشاعر الاسود العظيم".
هذه الجمل الجاهزة، والتي تبدو انها بريئة وحقيقية – حيث ان ايمي سيزار هو بالفعل اسود، وهو بالفعل شاعر – الا انها تحمل في طياتها معان اخرى، وكأنها تدليك دائم لوعي الجماهير. لا اعرف شيئا عن جان بولان الا انه يكتب كتبا جيدة، لا اعرف كيف يبدو روجر كيلويس، حيث انني لا اعرف عنه سوى كتبه المطبوعة. وارجو الا يتهمني احد بالحساسية المفرطة: ما اريد قوله هو ان هناك بواعث واسباب لطريقة تقديم اندريه بريتون لسيزار، هو يريد ان يقول: ها هو اسود متمكن من اللغة الفرنسية ولا يقل عن الرجل الابيض في اي شيء.
وبالرغم من بريتون يقرر حقيقة واقعة، الا انني لست افهم لماذا تكون هذه الجملة وكأن هناك تضاد بين ان تكون اسود وتعرف الفرنسية. ولا اعرف ما الغريب في الوضع حتى نضع تحته خط في كون سيزار اسود من المارتينيك وفي نفس الوقت متخرج من الجامعة، ومع ذلك فاننا نرى مايكل ليريس وهو يكتب:
اذا كان في كتاب الانتيليز يوجد بداخلهم الرغبة في كسر الاشكال الادبية
المتصلة بالتعليم الرسمي، فان هذه الرغبة، الموجهة الى مستقبل اكثر
نقاء، لا يمكن ان تعتمد على عنصر الفولكلور. وفوق ذلك، فان البحث في الادب
لتكوين رسالة نابعة منهم فعلا، او على الاقل بعضهم يفعل ذلك، بمعنى انه
يحاول ان يكون المتحدث الرسمي باسم عرق لا احد يستطيع ان يزعم
انه له امكانيات جيدة ، فانهم لن يجنوا من وراء ذلك الا الاحتقار لوسائلهم
الجديدة. وقدراتهم الذهنية لم تنم الا في اطار اللغة الفرنسية، وسيكون بحثهم في
تراثهم امر مصطنع حيث انهم يبحثون في لغة لا يتحدثونها حقيقة الا
بشكل متوارث وضعيف.
ولكننا نتشرف، والسود سيلومنني، ان رجلا ابيض مثل بريتون يكتب الكلام الذي اوردناه في السابق.
(بيتريق...عشان بس اللي مش فاهمه او بيتلخبط هو مهزار زيادة وبيتريق كتير قوي(
هيا بنا ننتقل الى الفصل الثاني.
No comments:
Post a Comment
Note: only a member of this blog may post a comment.