الفصل الثاني
المرأة الملونة والرجل الابيض
الانسان دائم الحركة تجاه العالم وتجاه اولئك الذين يشبهونه. هناك تحرك عدواني يقود الى الاستعباد او الغزو، وتحرك اخر تجاه الحب، وهو هبة للنفس، هو المرحلة النهائية المتعارف عليها بما يمسى التوجه الاخلاقي. يمتلك كل وعي لدى اي فرد القدرة على امتلاك هذين المكونين، اما بالتوازي او بالتبادل. الشخص الذي احب سيمنحني القوة بتأييده لما اعتقد او افترض انه انساني. بينما الاحتياج لان احوز على اعجاب او حب الاخرين سيجعلني اكون منظومة قيمية خاصة بي فيما يخص نظرتي للعالم.
لنصل لفهم حقيقي لهذه الظاهرة، ستكون مهمة المحلل صعبة. وإذا كنت سارتري النزعة ستصف الحب بانه تعبير عن الاحباط كما ورد في كتاب "الوجود واللا وجود" حيث لا يحلل الا ظاهرتي الخيانة والزيف، بينما تظل حقيقة ان الحب الحقيقي والصادق هو ان تتمنى لمن تحب ما تتمناه لنفسك. وحين يتحد هذا الافتراض مع القيم الدائمة للحقيقة الانسانية – فان ذلك يحرك دوافع نفسية تتحرر بشكل اساسي من صراعات اللا وعي.
:)
معلش مضطرة اتدخل، هو ح يشرح الكلام ده بالامثلة في المقتطفين الجايين سارتر اصله إجز..انا مش عارفة هو كان بيحبه ليه؟
في الحب، ستترك وراءك الصراع الدامي ضد الاخر وعواقبه.
اليوم انا اؤمن بامكانية الحب، لذلك فانا اسعى الى تتبع النقائص والانحرافات. هذا الفصل مخصص لعلاقة المرأة الملونة بالرجل الابيض. هدفي هو اثبات ان الحب الحقيقي لا يمكن تحققه الا بتطهير الذات اولا من عقدة الدونية او تمجيد نظرية ادلريان (الفريد ادلريان معالج صاحب نظرية ضرورة اشعار المريض بالدونية، والرغبة على الحصول على القوة ثم مكافئته بشكل مبالغ فيه، اسمه بالانجليزي اهو
alfred adlerian
نظرية مريضة اساسا/جبهة)
والرغبة في التعويض التي تسيطر على رؤية الاسود للعالم.
الحقيقة اننا حين نقرأ كتاب "انا من المارتينيك" يجب ان نشعر بالقلق حين تقول صاحبة الكتاب: “احب ان اتزوج، ولكن من رجل ابيض، لكن المرأة الملونة لا يحترمها الرجل الابيض، حتى لو كان يحبها، اعرف ذلك جيدا". هذا المقتطف، الذي يقودنا الى رؤية الوهم الذي يسيطر على ذهنية صاحبة الكتاب.
ذات يوم كتبت امرأة تدعى مايوت كابيسيه، في استجابة لدوافع يصعب على المرء فهمها، كتابا يتألف من 202 صفحة ويحتوي على قصة حياتها حيث تتوالد الافكار المضحكة بشكل عشوائي. ويجبرنا الحماس الذي استقبل به هذا الكتاب في دوائر معينة على ان نقدم على تحليله. بالنسبة لي لا مجال للاطناب: “انا من المارتينيك" ماهو الا وسيلة للتربح، كتاب يمتدح الفساد.
مايوت تحب رجلا ابيض وتخضع له في كل شي، هو ربها، لا تطلب شيئا ولا تنتظر شيئا الا قليل من "البياض" في حياتها. حين تتحدث عنه وتريد ان تحدد هل هو وسيم ام قبيح تقول: “ لا اعرف سوى انه اشقر، عيناه زرقاوين، وابيض البشرة، وانا احبه" (لا بجد برضه مضطرة اتدخل: دي عاملة زي احمد بدير في مسلسل عايز عروسة: عينيها خضرا وشعر اصفرررررر) اذا اعدنا ترتيب الجملة فيمكننا ان نقول: “انا احبه لانه ابيض واشقر وازرق العينين". نحن القادمون من الانتيلز نعرف جيدا ان العيون الزرقاء تخيف الاسود.
اقول انني لم اخطئ حين قلت في بداية الكتاب ان عقدة الدونية التي تصيب الاسود مصدرها الاول هو اقتصادي:
"كانت هناك ايام قاسية وغير سعيدة، حيث كان يتركني وحدي ليقوم بواجباته الاجتماعية، يذهب الى ديديه، قسم تحت الحماية الفرنسية من المارتينيك يقطنه المارتينيك المائلين للبياض، وهم ليسوا انقياء عرقيا، لكنهم اثرياء جدا، (هامش من المؤلف: من المعروف ان البيض لهم مستوى اقتصادي لا ينزلون عنه في المارتينيك) هؤلاء المائلين للبياض معظمهم من رجال الحكم والجيش.
بعض اصدقاء اندريه الذين، مثله، احتجزتهم الحرب في المارتينيك، بعضهم تمكن من احضار زوجته لتلتحق به وتقيم معه، اعرف ان اندريه لا يستطيع دوما الا يكترث بهم، وقبلت ايضا انني امنع من حضور هذه الاجتماعات لانني ملونة، لكنني اشعر بالغيرة رغما عني، لم اقتنع بكلامه عن التفرقة بين حياته الشخصية التي تخصه وحده، وبين حياته العسكرية التي لها اعتبارات اخرى، كنت الح كثيرا ليأخذني الى ديديه، واخذني لنقضي الليل في احدى الفيلات التي كانت تعجبني منذ طفولتي، مع اثنين من ضباط الجيش وزوجتيهما، ظلت المرأتان ترقباني باحتقار كنت لا اتحمله، كنت دائما متشككة في ذوقي في الملابس، في المكياج الذي اضعه، في انني لا اليق باندريه، ربما ببساطة ببسب اختلاف اللون، باختصار، قضيت ليلة ليلاء جعلتني اعقد العزم على الا الح على اندريه مرة اخرى ليصطحبني الى هذا المكان. “
كانت ديديه، مركز تجمع اغنياء المارتينيك، حلم هذه فتاة، وهي تشرح ذلك بنفسها: ابيض ميسور الحال، كانت بيوت هذه المنطقة تذهب بعقل السيدة، ينتابني شعور بان السيدة مايوت تكذب علينا: فهي تقول انها لم تذهب الى هذه المنطقة الا حين بلغت الثامنة عشر، ثم تعود وتقول ان احدى الفيلات كانت تثير اعجابها منذ طفولتها، هناك تناقض في كلامها يمكن تفسيره حين نفهم خلفيتها.
الحقيقة انه من الشائع في المارتينيك انتشار احلام اليقظة بين الناس للخلاص من بؤسهم بقدوم الفارس الابيض. بيت في ديديه، قبول في المجتمع الراقي، (تقع ديديه اعلى تل يشرف على المارتينيك) وبهذا تحصل على الاطمئنان الذاتي الذي يتحدث عنه هيجل. وبطريقة اخرى، فانه من السهل ان ترى جدلية الوجود والامتلاك التي تسيطر على هذا التصرف. لكن الامر مع مايوت ليس كذلك، فانها ينظر اليها بازدراء، وهذا امر طبيعي، انه كان كذلك دوما: لانها ملونة فهي غير مقبولة في المجتمع الابيض الراقي. ذلك الازدراء يغذي اصطناعها. سنعرف الان اين تكمن استحالة الحب الحقيقي بالنسبة لمايوت، ولكل مايوت في اي امة، حيث ان المحب يجب الا يحطم احلامي الطفولية على صخرة الواقع. على العكس، فهو يجب ان يساعدني ان اذهب لما هو ابعد تلك الاحلام. ان طفولة مايوت توضح لنا بعض الخصائص التي ادت الى ذهابها الى هذا الاتجاه في سن النضوج. وكل تحرك او اتصال بعد ذلك، سيخدم هدفها الاوحد. يبدو اليها ان الابيض والاسود يمثلان بالنسبة لها قطبي العالم، القطبان اللذان لا يكفان عن التصارع. هذه رؤية مانوية صرفة للعالم (المانوية ديانة قديمة بتقول ان العالم فيه صراع دائم بين قوى الخير والشر، والخير بيرمز له بالنار والنور، والشر بيرمز له بالظلام – مشتقة من المجوسية)
بالنسبة لها هذا هو الاعتقاد: في البدء كانت الكلمة، وعلي ان اتذكر: ابيض او اسود، تلك هي المسألة.
(هههههه صايع)
انا بيضاء: بمعنى، انا امتلك الجمال والفضيلة، فهما ابدا لم يكونا سوداوين، انا لو الصباح.
انا سوداء: انا منفصلة تماما عن العالم، فهمي غريزي للارض، هجران كامل لذاتي في قلب الكون، ليس هناك رجل ابيض واحد، مهما كان ذكاؤه يستطيع ان يفهم لويس ارمسترونج وموسيقى الكونغو، انا سوداء، انه ليس نتيجة اللعنة بل لان جلدي امتص كل روائح الكون، انا شعاع للشمس على الارض.
وهنا يكذب كل جسد على الاخر سواء كان ابيض ام اسود، في صرخة نرجسية كاملة، كل منهم معزول في خصوصيته – مع، حقيقة، لمعان وميض من آن لآخر ، لكن كل ذلك مهدد من منبعه.
من البداية هكذا تبدو المشكلة لمايوت – في السنة الخامسة من عمرها والصفحة الثالثة من كتابها: “اخذت قارورة الحبر من درج مكتبها وافرغتها على رأسه" هذه هي المرة الاولى التي تحول فيها الابيض الى اسود. لكنها بعد ذلك ادركت عبثية هذه المحاولة، ثم كان بعد ذلك لولوز ووالدتها، اللذان اخبراها بان الحياة صعبة بالنسبة لامرأة ملونة. وبما انها ادركت انها لا تستطيع ان تسود، ان "تزنج" العالم، قررت ان تحاول بجسدها وعقلها ان تمحو سوادها. اول محاولتها حين قررت ان تصبح "غسالة":
“كنت اطلب اسعارا مرتفعة، لكنني كنت افضل الجميع، حيث ان التابعين للحماية الفرنسية يحبون ان يكون الكتان نظيفا جدا، وكانوا يأتون الي، وبعد برهة كانوا يتباهون بان غسيلهم يغسل عن مايوت"
من المؤسف ان مايوت لم تخبرنا باحلامها الليلة، كان ذلك سيسهل علينا الوصول الى اللا وعي. بدلا من ان تعترف بسوادها، تنتقل الى اعتبار نفسها حادثة. تعرف ان جدتها كانت بيضاء:
“ووجدتني فخورة بذلك، بالطبع لم اكن الوحيدة التي تجري في عروقها دماء بيضاء، لكن
الجدة البيضاء لم تكن شائعة مثل شيوع الجد الابيض (هامش فانون: حيث انه السيد، وهو ذكر، فان الرجل الابيض يعطي نفسه الحق ان يمارس الجنس مع عدد من النساء، هذا يحدث في كل بلد وخاصة في المستعمرات، لكن حين تقبل البيضاء الزواج من اسود فان قصة حب رومانسية هي اول ما يتبادر الى الاذهان، لان الاعتقاد السائد انه في الجنس المرأة تعطي والرجل يأخذ. في المستعمرات، وبالرغم من وجود بعض الزيجات النادرة التي تعتمد على التعايش بين السود والبيض، الا ان تعداد المهجنين يفوق الخيال، وذلك لان الرجال البيض عادة ما يضاجعون خادماتهم السود، ومع ذلك فان هذا ليس دليلا على كلام مانوني: جزء من دوافعنا يؤدي بشكل طبيعي الى الانجذاب لما هو غريب عنا، وهذا ليس وهم ادبي، لم يكن هناك وهما او ادبا حين اختار جيش جاليني نساء من الراماتو ليكن زوجاتهم المؤقتتات. الحقيقة ان الاتصال بينهم لم يكن صعبا على الاطلاق، وكان ذلك بسبب الحياة الجنسية الصحية مالجاشيين والتي لم تكن مقيدة بالعقد، ولكن ذلك لنبين ان الصراع العرقي يتطور تدريجيا ولا يظهر تلقائيا. انتهى كلام مانوني
وعلينا الا نبالغ، حين يضاجع الغازي فتاة من مالجاش، فهو بالتأكيد لا يحترمها كإنسان، والصراع العنصري لم يأتي بعد ذلك، وانما كان متواجد في نفس اللحظة، والحقيقة ان مستعمري الجزائر يضاجعون الخادمات الجزائريات وهن لم يتجاوزن الرابعة عشرة من عمرهن، هذه الحقيقة لا يمكن بحال من الاحوال ان تنفي الصراع العنصري، لا، المشكلة اكثر تعقيدا، ومايوت محقة حين تقول انه شرف لها ان تكون حفيدة امرأة بيضاء، فهذا دليل على ان المولود لم يولد في الغابة (هذا تعبير مارتينيكي عن الابناء غير الشرعيين، وعددهم كبير جدا، اوبري مثلا كان معروفا انه كان ابا لخمسين ابن غير شرعي/ انتهى هامش فرانتز فانون)
، كان يجب علي ان اعرف ذلك حين انظر الى بشرتها الفاتحة، بعد ان عرفت هذه المعلومة رأيت امي اجمل من ذي قبل، واذكى من ذي قبل، وارقى من ذي قبل، ماذا لو كانت تزوجت رجلا ابيض؟ هل تظنون انني كنت سأولد كاملة البياض؟ وان حياتي لم لتكن بهذه الصعوبة؟ اسرح بخيالي وافكر في جدتي التي لم ارها والتي ماتت لانها احبت رجلا من المارتينيك.
كيف احبت امرأة من كندا رجلا من المارتينيك؟ لم استطيع التوقف عن التفكير في واعظ كنيستنا، وقررت الا احب رجلا الا ببشرة بيضاء وعيون زرقاء وشعر اشقر، رجلا فرنسيا.
(مش قادرة اسكت مش قادرة مش قادرة ، ياضنايا يابنتي؟ انت م الارياه؟)
كل ما تريده مايوت هو عشيق ابيض، وذلك، لانها تريد تبييض عرقها؛ كل امرأة في المارتينيك تعرف هذه المقولة التي تتكرر على اسماعهن: بيضي العرق، انقذي العرق، ولكن ليس بالمفهوم التالي: فهو ليس "احفظي التمييز الذي يتمتع به هذا الجزء من العالم والذي سيكبر فيه الاطفال". لكنها يجب ان تتأكد انهم سيكونوا بيضا، كل مرة كنت احاول فيها ان احلل تصرفا معينا اجد نفسي في مواجهة ظاهرة مقززة ما، عدد الاقوال، الامثال، القوانين البسيطة التي تحكم تصرفات الشخص الذي يبحث عن الحب في الانتيلز كلها مذهلة، كلها يصب في تجنب الوقوع في حفرة الزنجية، وفي كل امرأة في الانتيلز، سواء في مغازلة عابرة او في علاقة حقيقية، مطلوب منها ان تختار اقل الرجال سوادا. احيانا حين تقع في الحب مع اسود وتضطر ان تبرر ذلك فتقول: س اسود، لكن التعاسة اكثر سوادا. عرفت فتيات كثيرات من المارتينيك، طالبات في فرنسا، قالوا لي بكل صراحة – بمنتهى الصراحة – انهن لا يمكن ان يتزوجن من رجل اسود (جاتهم خيبة، والله لو كنت لحقتك كان زمانك انتحرت من مطارداتي) : اخرج من محيط السود لاعود اليه؟ لا شكرا. هكذا يقلن. ثم يضفن انهن لا ينكرن ان السود يتمتعون بخصال جيدة، لكنك تعرف..من الافضل كثيرا ان تكون ابيض. كنت اتحدث من وقت قريب مع احداهن فصرخت في وجهي: اذا لم يكن سيزيار يستطيع قبول عرقه، فلذلك لانه يعرف جيدا انه لعنة عليه، انظر الى البيض، هل يتصرفون بنفس الطريقة مع عرقهم؟ كل منا لديه امكانية بيضاء، البعض يتجاهل هذه الامكانية والبعض لا، انا عن نفسي لن اتزوج زنجيا ولو كان آخر رجلا في العالم.
هذه التصرفات ليست نادرة، ويجب ان اعترف ان هذه التصرفات تزعجني لان هؤلاء النسوة سينتهون من دراستهم ويعودون ليدرسوا الاطفال في المدارس، وليس من الصعب استنتاج ما سيفعلونه بالاطفال.
مهمة جسيمة تواجه الانتيلي الذي بدأ يضع يده على مظاهر العنصرية في بيئته. حين بدأت في تدوين هذا الكتاب، كنت قد انتهيت من دراسة الطب، كنت افكر ان اقدمه كموضوع لدراساتي العليا، لكن الجدل يتطلب التبني الدائم لموقف معين، بالرغم من تركيزي على الاغتراب النفسي للانسان الاسود، الا انني لا يمكنني السكوت على بعض الاشياء النفسية التي تحتم علينا ان نمد الخط لنجد انفسنا في مجالات علوم اخرى.
كل خبرة، خاصة اذا كانت عقيمة، تصبح مكون من مكونات الواقع، وتلعب في تكوينه. بمعنى ان المجتمع الاوروبي الابوي، بكل اخطائه، وفشله، وشروره، يرتبط بصلة وثيقة مع المجتمع الذي نعرفه، وينتج من العصابيين ما يشكل حوالي 30 بالمائة من تعداد السكان.
والمشكلة تخلق، بمعونة التحليل النفسي والاجتماعي والدروس السياسية، كل ذلك يخلق مناخا اسريا قادرا على التقليل، ان لم يكن المحو تماما، من نسبة النفايات الاجتماعية ان جاز التعبير.
بقول اخر: السؤال هو: هل الشخصية الاساسية ثابتة ام متغيرة؟
كل هؤلاء النسوة المتطرفات ينتظرن الرجل الابيض. في يوم من الايام، بالطبع، سيعرفن انهن لا يردن ان يعدن الى الوراء، ويحلمن بـ"ليلة رائعة، وحبيب رائع، رجل ابيض" ويمكن ايضا ان يكتشفن في يوم من الايام ان "الرجال البيض لا يتزوجون النساء السود" ولكن هن يوافقن على خوض المغامرة والحصول على الرجل الابيض مهما كانت التكاليف، ما السبب؟ الامر بسيط جدا، وها هي قصة تشرح ما يدور بعقولهن:
(ح اكمل لكوا القصة في الحلقة الجاية انا تعبت)
No comments:
Post a Comment
Note: only a member of this blog may post a comment.