لم يجل بخاطري للحظة أنني سأتحدث يوما عن "طنط وداد متري" بوصفها، المرحومة وداد متري. الأستاذة وداد متري، المناضلة والرائدة النسائية والصحفية، هي بالنسبة لي "طنط وداد"، التي نشأت في أحضانها، وأحضان أسرتها المكونة من الدكتور سعد لوقا، زوج طنط وداد ورفيق دربها وكفاحها، والحامل معها هموم البشرية، ونجليهما الدكتورة ريم سعد والدكتور سهيل سعد.
اعتدت أن طنط وداد هي الملجأ والملاذ لكل بني البشر على اختلاف مشاربهم وأطيافهم وألوانهم وأديانهم وأجناسهم، وأيضا، على اختلاف آلامهم، التي تعهدت "طنط وداد" بتخفيفها، وعلاجها، واحتضان كل المفزوعين والمنزعجين والباكين والمفجوعين، وكأنه واجبها الطبيعي الذي خلقت من أجله، وكأن أحدا ليس مطالب بإسداء الشكر لها: "هي طنط وداد كده".
كنت أشعر بفخار حين أنظر لطنط وداد، نحن الاثنتان نتنمي لبرج الميزان، وكان الزهو يملأني حين تشتكي مني والدتي لـ"طنط وداد": "أعمل إيه في برج الميزان اللي عندي يا وداد...."، فتجيبها بهدوءها الباسم: "آه...أنا كنت عارفة إني ح اتلط..."، كنت أردد في نفسي: "أنا وطنط وداد زي بعض؟ يااااااه، أنا زي طنط وداد؟ يا رب..."
لكنني حقيقة لم أر مثل "طنط وداد"، وداد متري إحدى رائدات الحركة النسائية الوطنية المصرية، أول فتاة ترأس اتحاد الطلبة في الجامعة المصرية، وإحدى المناديات بحصول المرأة على حق التصويت والانتخاب، وإحدى أهم الرائدات اللاتي نزلن إلى الريف ليشجعن النساء على الانتخاب، وليقاتلن في سبيل تحقيق العدل والمساواة لكل المواطنين رجالا ونساء، هي التي آثرت أن تقضي زهرة شبابها للتدريس في القرى طوعا واعتبرته واجبها الوطني، هي التي أفنت حياتها في الدفاع عن وحدة هذا الوطن وحريته، وهي إحدى المناضلات اللاتي اعتقلن في سبيل قضيتهن، وبيتها كان الملاذ لكل الرموز الوطنية الشريفة، ولمساكين هذا البلد وفلاحيه البسطاء، وهي الأم الحنون لهم جميعا، التي تحملهم فوق "رموش عينيها"، كل من أصابه ضيم أو ظلم يعرف بيت "طنط وداد"، وكلنا كان يشعر بالاطمئنان، أنه إذا ما عصفت به الخطوب، فهناك "طنط وداد" وبيت "طنط وداد".
وهي ذاتها "طنط وداد" التي دأبت بإصرار حثيث على إنكار ذاتها، والتواري عن الأضواء بل التهرب منها بـ"المشوار"، والتقليل من ذاتها وعملها وإنجازاتها ناظرة في حنان وإعجاب لأضعف، وربما لأتفه، مخلوق على وجه البسيطة: "هو أنا آجي فيك إيه بقى؟"
ولأن "طنط وداد"، كانت تمارس أمومتها نحو كل البشر بعفوية، مقتنعة ومقنعة الآخرين، أنه واجبها الطبيعي، فإنني تلقيت نبأ وفاتها مرددة: "كده برضه يا طنط مشيتي؟" ومن يحمل عنا الألم الآن؟ اعتدنا أنها مسئولية "طنط وداد" أن تخفف الآلام، وتداوي الجراح، فمن ينوب عنها في تخفيف وجع فراقها؟
بالنسبة لي منزل "طنط وداد"، هو منزل التجمعات الدافئة مع أحب الأصدقاء الذين لا أراهم سوى "عند طنط وداد"، وهو منزل الأفراح والأعياد وعزومة الإفطار في رمضان الواجبة، حتى أنني كنت أمازحها إذا ما تأخرت في تحديد موعد يوم الإفطار قائلة: "إيه يا طنط هو رمضان مش ح يجي بقى، ده احنا بقينا يوم عشرة.."، وأضع رأسي في رأس "طنط وداد" ونتضاحك، وأحصل على جرعة الدعم المعنوي التي أتغذى عليها حتى تنفد فأعود لأتصل بـ"طنط وداد": "عايزين كمالة.."
وكأنها مسئولة عن كل من يعرفونها؛ قبل وفاتها بيوم واحد، حين كانت ترقد في العناية المركزة، رأت شاهندة مقلد، إحدى رفيقات دربها النضالي، في منامها أنها تتشبث بـ"طنط وداد"، وتقول لها: "ما تسيبينيش يا وداد...ما تسيبينيش يا وداد."
اعتدت أن طنط وداد هي الملجأ والملاذ لكل بني البشر على اختلاف مشاربهم وأطيافهم وألوانهم وأديانهم وأجناسهم، وأيضا، على اختلاف آلامهم، التي تعهدت "طنط وداد" بتخفيفها، وعلاجها، واحتضان كل المفزوعين والمنزعجين والباكين والمفجوعين، وكأنه واجبها الطبيعي الذي خلقت من أجله، وكأن أحدا ليس مطالب بإسداء الشكر لها: "هي طنط وداد كده".
كنت أشعر بفخار حين أنظر لطنط وداد، نحن الاثنتان نتنمي لبرج الميزان، وكان الزهو يملأني حين تشتكي مني والدتي لـ"طنط وداد": "أعمل إيه في برج الميزان اللي عندي يا وداد...."، فتجيبها بهدوءها الباسم: "آه...أنا كنت عارفة إني ح اتلط..."، كنت أردد في نفسي: "أنا وطنط وداد زي بعض؟ يااااااه، أنا زي طنط وداد؟ يا رب..."
لكنني حقيقة لم أر مثل "طنط وداد"، وداد متري إحدى رائدات الحركة النسائية الوطنية المصرية، أول فتاة ترأس اتحاد الطلبة في الجامعة المصرية، وإحدى المناديات بحصول المرأة على حق التصويت والانتخاب، وإحدى أهم الرائدات اللاتي نزلن إلى الريف ليشجعن النساء على الانتخاب، وليقاتلن في سبيل تحقيق العدل والمساواة لكل المواطنين رجالا ونساء، هي التي آثرت أن تقضي زهرة شبابها للتدريس في القرى طوعا واعتبرته واجبها الوطني، هي التي أفنت حياتها في الدفاع عن وحدة هذا الوطن وحريته، وهي إحدى المناضلات اللاتي اعتقلن في سبيل قضيتهن، وبيتها كان الملاذ لكل الرموز الوطنية الشريفة، ولمساكين هذا البلد وفلاحيه البسطاء، وهي الأم الحنون لهم جميعا، التي تحملهم فوق "رموش عينيها"، كل من أصابه ضيم أو ظلم يعرف بيت "طنط وداد"، وكلنا كان يشعر بالاطمئنان، أنه إذا ما عصفت به الخطوب، فهناك "طنط وداد" وبيت "طنط وداد".
وهي ذاتها "طنط وداد" التي دأبت بإصرار حثيث على إنكار ذاتها، والتواري عن الأضواء بل التهرب منها بـ"المشوار"، والتقليل من ذاتها وعملها وإنجازاتها ناظرة في حنان وإعجاب لأضعف، وربما لأتفه، مخلوق على وجه البسيطة: "هو أنا آجي فيك إيه بقى؟"
ولأن "طنط وداد"، كانت تمارس أمومتها نحو كل البشر بعفوية، مقتنعة ومقنعة الآخرين، أنه واجبها الطبيعي، فإنني تلقيت نبأ وفاتها مرددة: "كده برضه يا طنط مشيتي؟" ومن يحمل عنا الألم الآن؟ اعتدنا أنها مسئولية "طنط وداد" أن تخفف الآلام، وتداوي الجراح، فمن ينوب عنها في تخفيف وجع فراقها؟
بالنسبة لي منزل "طنط وداد"، هو منزل التجمعات الدافئة مع أحب الأصدقاء الذين لا أراهم سوى "عند طنط وداد"، وهو منزل الأفراح والأعياد وعزومة الإفطار في رمضان الواجبة، حتى أنني كنت أمازحها إذا ما تأخرت في تحديد موعد يوم الإفطار قائلة: "إيه يا طنط هو رمضان مش ح يجي بقى، ده احنا بقينا يوم عشرة.."، وأضع رأسي في رأس "طنط وداد" ونتضاحك، وأحصل على جرعة الدعم المعنوي التي أتغذى عليها حتى تنفد فأعود لأتصل بـ"طنط وداد": "عايزين كمالة.."
وكأنها مسئولة عن كل من يعرفونها؛ قبل وفاتها بيوم واحد، حين كانت ترقد في العناية المركزة، رأت شاهندة مقلد، إحدى رفيقات دربها النضالي، في منامها أنها تتشبث بـ"طنط وداد"، وتقول لها: "ما تسيبينيش يا وداد...ما تسيبينيش يا وداد."
No comments:
Post a Comment
Note: only a member of this blog may post a comment.