ابو امير يا عثل:
الجزء السادس من الفصل السادس
بدأ الأدب، منذ أن كتب سارتر مقالته الفاصلة "ما هو الأدب؟"، في الالتزام أكثر وأكثر بدوره الأوحد الذي هو إقناع المجموع بالتفكير والتأمل. لأن هذا الكتاب، كما آمل، يمكن أن يكون محاولة لإنشاء بنية تحتية لفهم الزنجي، ويكون الطريق إلى إنهاء اغترابه. عندما لا يكون هناك الحد الأدنى من الإنسانية، فلن تكون هناك ثقافة. ليس مهما، بالنسبة لي إن كانت قبيلة البانتو ترى أن المانتو رمز القوة، أو على الأقل كان من الممكن أن يكون هذا الموضوع هاما بالنسبة لي، لولا أن هناك تفاصيل معينة هي التي أثنتني عن الاهتمام بتلك النقطة. ما هي أهمية التركيز على وجود البانتو بعدما نقرأ الكلام التالي : عندما قام ٧٥٠٠٠ عامل أسود من عمال المناجم بالإضراب سنة ١٩٤٦ أعادتهم الشرطة للعمل مرة أخرى، بإطلاق النار وتصويب الحراب عليهم فمات ٢٥ عامل وجُرح الآلاف. كان رئيس الحكومة في ذلك الوقت هو سامو الذي كان أيضا مندوب الدولة في مؤتمر عن السلام. كان السود يعيشون في الأراضي المملوكة للبيض مثل عبيد الارض. وأحيانا كانت عائلاتهم تعيش معهم وكان من غير المسموح لأي منهم أن يترك المزرعة دون إذن سيده. لو فعل ذلك يبلغ صاحب العمل الشرطة، فتقوم الشرطة بإحضاره بالقوة وجلده. وفقا لقانون الإدارة الوطنية، يملك الحاكم العام، بوصفه السلطة العليا، سلطة استبدادية على الأفارقة. فهو يستطيع بمجرد إصدار بيان أن يحتجز ويعتقل أي أفريقي يُعتقد أنه يُهدد الأمن العام. ويستطيع أن يمنع تجمّع أكثر من عشرة أشخاص في أي مكان يقيم فيه السكان الأصليون، تعتبر وثيقة الأمر بالمثول أمام المحكمة، رفاهية يُحرم منها الأفارقة. والاعتقال الجماعي بدون تصريح تصرفا يمارس بشكل مستمر، (هأ ... هي الحكومة المصرية اخدت كورسات في جنوب افريقيا ؟ / جبهة) وقد وصل المواطنون الملونون في جنوب أفريقيا إلى طريق مسدودة. فجميع مظاهر الاستعباد الجديد لا تعطيهم القدرة على الهرب من هذا العذاب. في حالة الأفريقي، محقت المجتمعات البيضاء عالمه القديم ولم تقدم له عالما جديدا. حطمت النظام القبلي الذي كان موجودا لديه، وبعد أن محت ماضيه أغلقت طريقه الذي يصله بالمستقبل. يطمح الفصل العنصري إلى إبعاد الزنجي عن المشاركة في صناعة التاريخ الحديث كقوة حرة ومستقلة. أعتذر عن هذا الاقتباس الطويل، ولكن هذا الاقتباس يسمح لي أن أستخرج بعض الأخطاء التي ارتكبها الإنسان الأسود. على سبيل المثال، يشير إليون ديوب، في مقدمته لكتاب "فلسفة قبيلة البانتو" إلى أن البانتو لا يعلمون أي شيء عن التعاسة الميتافيزيقية لأوربا. وما يصل إليه من استنتاج من تلك المعلومة من الممكن أن يكون فيه شيء من الخطورة : السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل يجب على العبقري من السود أن ينمي ما يؤسس لفرديته ؟ تلك الروح الشابة، ذلك الاحترام الفطري للإنسان وللخلق، هذا الاستمتاع بالحياة، هذا السلام الذي لم يشوهه الإنسان بالتعقيم الأخلاقي ولكن التجانس مع عظمة الحياة ... والإنسان يسأل أيضا ماذا يمكن أن يقدم الزنجي للعالم الحديث ... ما نستطيع قوله هو إن فكرة الثقافة برؤية الإرادة الثورية مضادة لعبقريتنا، بالضبط مثل فكرة التقدم. التقدم يسكن أرواحنا فقط عندما يكون لدينا ألم من الحياة، وهو هدية الطبيعة. كن حذرا، المسألة ليست مسألة البحث عن الفكر في البانتو حين يكون وجود البانتو هو بديل اللاوجود وعدم الاتزان. حقيقة أن فلسفة البانتو لن تُفهم في سياق الثورة، لكنها بالضبط في الدرجة حيث مجتمع البانتو، بما أنه مجتمع مغلق، لا يمتلك بدائل الشخص الاستغلالي في العلاقات الوجودية بين القوى المختلفة. وبالقطع لا يوجد هناك أي شيء وجودي في الفصل العنصري، كفاية زبالة بقى. (ده هو اللي بيقول والله، هو بيعترض على العنصرية المضادة / جبهة) لنا فترة من الوقت هناك كلام كثير عن الزنجي، ربما كان كلام زائد عن اللازم قليلا، يريد الزنجي أن يتم نسيانه قليلا لكي يستطيع جمع قواه، قواه الأصلية. ذات مرة قال : "زنجيتي ليست برجا"... وهناك أناس يريدون أن تجعله هيليني (اغريقي يعني / جبهة) تريد أن تجعل منه أورفيس ... الزنجي هو الذي يبحث عن العالمية. إنه يبحث عن العالمية، ولكن في يونيو من عام ١٩٥٠ رفضت الفنادق الفرنسية إعطاء غرف للحجاج الزنوج. لماذا ؟ لأن زبائن الفنادق البيض الأغنياء جدا، والذين كما نعرف جميعنا، يكرهون الزنوج، هددوا بأنهم سيغادرون الفندق. ينشد الزنجي العالمية، ولكن يظل جوهر الزنجي على الشاشة، وتظل طبيعته الزنجية بكرا : دائما عبد
دائما متزلف ومبتسم
أسرق أنا لا ... أكذب أنا لا
ودائما آكل جيدا جدا
يحاول الزنجي أن يجعل من نفسه عالميا، لكنه طُرد من ليسيه سانت لوي، لأنه كان من الصفاقة لدرجة جعلته يقرأ الإنجليزية. هناك هنا مأساة، يخاطر المثقف الأسود بالوقوع فيها. نعم ؟ أنا بالكاد استطعت أن أفتح عينين كانتا معميتان بشكل تام، ثم يأتي شخص ليكلمني مرة أخرى عن العالمية ؟ لكن ماذا عن الآخرين ؟ الذين ليس لهم صوت، ولا يوجد أحد يُنيب عنهم، أنا أحتاج أن أغرق في زنجيتي، أن أرى النيران، التفرقة العنصرية، القمع، الاغتصاب، التمييز، المقاطعة. نحن نحتاج أن نضع أيدنا على كل جرح تقيح في جسد الزنجي. أنا الآن من الممكن أن أتخيل إليون ديوب وهو يتساءل : ما هو المكان الذي يمكن أن تحتله العبقرية الزنجية في جوقة العالمية. أنا أؤمن أن الثقافة الحقيقية لا يمكن تخرج في الظروف الحالية. سيكون لدينا الوقت الكثير فيما بعد لكي نتكلم عن العبقرية الزنجية، لكن بعد أن تنال الشعوب حقوقها الإنسانية. (اسم الله عليك ... امال انا باحبه وخطبته من شوية ؟ / جبهة) أرجع مرة أخرى إلى سيزار، يا ليت الكثير من المثقفين السود يرجعون إليه. يجب علي التكرار على نفسي : "وأكثر من أي شيء، جسمي، وروحي، لا تسمحان لك أن تشبك ذراعيك مثل أي مشاهد عقيم. لأنه لا أحد يتفرج على الحياة، لأن بحر الأحزان ليس مسرحا، لأن الرجل الذي يصرخ ليس دبا يرقص". استمرارا لتخزين الحقيقة، وسعيا لتأكيد المثال الرمزي المتبلور، أجد نفسي على أعتاب سيكولجية جونيان. من خصائص الحضارة الأوربية وجود النماذج النمطية فيها في قلب الوعي الجماعي، مثلما يتحدث جونجان فيقول :تعبيرا عن الغرائز السيئة، عن الظلام الموجود في كل ذات، عن المتوحش غير المتحضر، الزنجي الذي ينام داخل كل أبيض. ويقول جانج : إنه وجد أناس غير متحضرين، إنه يرسم نفس البنية الوجودة في النموذج الذي يملكه. أنا شخصيا مقتنع أن جانج خدع نفسه، علاوة على أن كل من قام بتعريفهم من الناس – سواء من الهنود الحمر الموجودون في الأريزونا أو الزنوج في كينيا البريطانية – كان لديهم اتصالا صادما بالبيض. أنا ذكرت قبل قليل أن في شخصيته السالفينية، لا يشعر الأنتيلي مطلقا أنه أسود، وقد حاولت أنا أن أشرح تلك الظاهرة وعلاقتها، (هامش من المؤلف : الشخصية السالفينية مشتقة من شخصية سالفين التي ابتكرها جورج داهمل، وسالفين شخصية نموذجية للشكل النمطي للمثقف، متوسط، دائم الهروب، وهو دائما ضحية لإوهامه الخرافية / فانون) (بالبلدي كده : محفلط مظفلط كتير الكلام عديم الممارسة عدو الزحام بكام كلمة فاضية وكام اصطلاح يفبرك حلول المشاكل قوام [ قصيدة "يعيش أهل بلدي" لإحمد فؤاد نجم]، ... كويس ان خطيبي بيكره المثقفين زيي / جبهة) يحاول جانج أن يحدد الوعي الجماعي عن طريق الخصائص الوراثية للدماغ. ولكن الوعي الجماعي ليس له علاقة بالجينات، إنه مجموعة تعصبات، أساطير، سلوك جماعي لجماعة معينة. من المسلم به أن اليهودي الذي هاجر إلى إسرائيل سينتج وعي جماعي، ولكن بعد مرور مدة طويلة، مختلف عن الوعي الجماعي الذي كان لديه قبل سنة ١٩٤٥ التي أُجبر على الهجرة منها. على المستوى الفلسفي، سيصبح ذلك المكان هو الذي ستكبر به مشاكل الغريزة والعادات : الغريزة التي يُلد بها الإنسان، ( نحن نعلم أنه يجب علينا أن نراقب الفطرة / فانون) تكون مختلفة، وذات خصوصية، عن العادات التي تُكتسب. بهذا المفهوم يخلط جانج بين الغريزة والعادات. فمن وجهة نظره، الوعي الجماعي يرتبط بالتكوين الدماغي، الأساطير والنماذج النمطية هي مكونات أساسية في العرق. أرجو أن أكون وضحت أنه لا يوجد شيء بهذا الاسم، وأن هذا الوعي الجماعي منتج ثقافي يتم اكتسابه. من الممكن مثلا أن يصاب أحد سكان الجبل الشباب في كارباثيان، وتحت ظروف نفسية كيميائية لبلده، بالميكسيديما، (قصور درقي بيسبب استسقاء وجفاف في الجلد والشعر وفقدان لحيوية الجسم والعقل / جبهة، / من مريام ويبستر) وكذلك زنجي مثل رينيه ماران، الذي عاش في فرنسا واستنشق وأكل التعصب العنصري الموجود في أوربا، يقدر، لو خرج من ذاته، أن يعبر عن كراهيته للزنجي. لابد أن نسير ببطء لأنه ستكون هناك مأساة، أننا نعري العملية شيئا فشيئا ونراها بشكل كامل. ألا تكون هذه الجملة مفهومة ؟ في أوربا، الرجل الأسود هو رمز الشر. هيا بنا إذن نسير ببطء، أنا أعرف أن هذه الموضوع ليس سهلا. فالذي يعذب هو الرجل الأسود، أبليس هو الرجل الأسود، نحن نتكلم عن ظلال، عند يتسخ الفرد يصبح أسودا – سواء اتساخ حقيقي أو معنوي. سيحدث الأمر صدمة لو وضعنا الاتنين معا، لكي يكون لدينا صورة مكتملة، تصور الأسود أنه رمزا للخطيئة. الرجل الأسود في أوربا، سواء أكان ذلك بشكل حقيقي أو بشكل رمزي، يرمز إلى الجانب الشرير في الإنسان، لو لم يفهم الناس تلك الحقيقة، نكون نقوم بتضيع أوقاتنا بالدوران في دائرة مفرغة، ونحن نتكلم عن مشكلة السود. السواد، الظلام، الظلال، الليل، تجويفات الارض، الأعماق السحيقة، تسويد سمعة إنسان، على الجانب الآخر المنظر البراق للبراءة، حمامة السلام البيضاء، نور السماء السحري، طفل جميل أشقر – يا سلام جملة كلها سلام، وفرحة، وأهم من هذا كله : أمل ! لا يتكلم أحد عن الطفل الجميل الأسود : لا يوجد مثل هذا من الأصل. وأيضا ذات القصة، حسنا أنا لن أعود إلى قصص الملائكة السود. في أوربا، وفي كل دولة متحضرة، الزنجي رمز للخطيئة. الونجي يمثل النموذج النمطي للقيم المنحطة. مثل تلك القيم المتقابلة توجد في كتاب دوسيي "أحلام اليقظة"، ماذا نقول أيضا كي نوضح أن كل القيم المنحطة والخطايا يمثلها الملون الأسود ؟ الوضع في كتاب دوسيي (اللي مافيهوش اي تورية خالص) هو أما الانحدار أو الصعود. في حالة الهبوط نرى كهوفا، أقبية يرقص بها متوحشون، في أحد أحلام اليقظة، يحكي دوسيي لنا أننا نلاقي شخصا من الجولز (الفرنسيين القدامى) في الكهف، ولكن وجود الجولي في الكهف يشبه وجود دوسيي ذاته، بمعنى أنه زميله، أو أحد أفراد عائلته، يمثل وجود الجولي في الكهف كأن دوسيي يأخذ صورة مع أحد أفراد عائلته : صورة مع جده. لابد للإنسان أن يعود طفلا مرة أخرى لكي يفهم بعض الحقائق النفسية.
الجزء السادس من الفصل السادس
بدأ الأدب، منذ أن كتب سارتر مقالته الفاصلة "ما هو الأدب؟"، في الالتزام أكثر وأكثر بدوره الأوحد الذي هو إقناع المجموع بالتفكير والتأمل. لأن هذا الكتاب، كما آمل، يمكن أن يكون محاولة لإنشاء بنية تحتية لفهم الزنجي، ويكون الطريق إلى إنهاء اغترابه. عندما لا يكون هناك الحد الأدنى من الإنسانية، فلن تكون هناك ثقافة. ليس مهما، بالنسبة لي إن كانت قبيلة البانتو ترى أن المانتو رمز القوة، أو على الأقل كان من الممكن أن يكون هذا الموضوع هاما بالنسبة لي، لولا أن هناك تفاصيل معينة هي التي أثنتني عن الاهتمام بتلك النقطة. ما هي أهمية التركيز على وجود البانتو بعدما نقرأ الكلام التالي : عندما قام ٧٥٠٠٠ عامل أسود من عمال المناجم بالإضراب سنة ١٩٤٦ أعادتهم الشرطة للعمل مرة أخرى، بإطلاق النار وتصويب الحراب عليهم فمات ٢٥ عامل وجُرح الآلاف. كان رئيس الحكومة في ذلك الوقت هو سامو الذي كان أيضا مندوب الدولة في مؤتمر عن السلام. كان السود يعيشون في الأراضي المملوكة للبيض مثل عبيد الارض. وأحيانا كانت عائلاتهم تعيش معهم وكان من غير المسموح لأي منهم أن يترك المزرعة دون إذن سيده. لو فعل ذلك يبلغ صاحب العمل الشرطة، فتقوم الشرطة بإحضاره بالقوة وجلده. وفقا لقانون الإدارة الوطنية، يملك الحاكم العام، بوصفه السلطة العليا، سلطة استبدادية على الأفارقة. فهو يستطيع بمجرد إصدار بيان أن يحتجز ويعتقل أي أفريقي يُعتقد أنه يُهدد الأمن العام. ويستطيع أن يمنع تجمّع أكثر من عشرة أشخاص في أي مكان يقيم فيه السكان الأصليون، تعتبر وثيقة الأمر بالمثول أمام المحكمة، رفاهية يُحرم منها الأفارقة. والاعتقال الجماعي بدون تصريح تصرفا يمارس بشكل مستمر، (هأ ... هي الحكومة المصرية اخدت كورسات في جنوب افريقيا ؟ / جبهة) وقد وصل المواطنون الملونون في جنوب أفريقيا إلى طريق مسدودة. فجميع مظاهر الاستعباد الجديد لا تعطيهم القدرة على الهرب من هذا العذاب. في حالة الأفريقي، محقت المجتمعات البيضاء عالمه القديم ولم تقدم له عالما جديدا. حطمت النظام القبلي الذي كان موجودا لديه، وبعد أن محت ماضيه أغلقت طريقه الذي يصله بالمستقبل. يطمح الفصل العنصري إلى إبعاد الزنجي عن المشاركة في صناعة التاريخ الحديث كقوة حرة ومستقلة. أعتذر عن هذا الاقتباس الطويل، ولكن هذا الاقتباس يسمح لي أن أستخرج بعض الأخطاء التي ارتكبها الإنسان الأسود. على سبيل المثال، يشير إليون ديوب، في مقدمته لكتاب "فلسفة قبيلة البانتو" إلى أن البانتو لا يعلمون أي شيء عن التعاسة الميتافيزيقية لأوربا. وما يصل إليه من استنتاج من تلك المعلومة من الممكن أن يكون فيه شيء من الخطورة : السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل يجب على العبقري من السود أن ينمي ما يؤسس لفرديته ؟ تلك الروح الشابة، ذلك الاحترام الفطري للإنسان وللخلق، هذا الاستمتاع بالحياة، هذا السلام الذي لم يشوهه الإنسان بالتعقيم الأخلاقي ولكن التجانس مع عظمة الحياة ... والإنسان يسأل أيضا ماذا يمكن أن يقدم الزنجي للعالم الحديث ... ما نستطيع قوله هو إن فكرة الثقافة برؤية الإرادة الثورية مضادة لعبقريتنا، بالضبط مثل فكرة التقدم. التقدم يسكن أرواحنا فقط عندما يكون لدينا ألم من الحياة، وهو هدية الطبيعة. كن حذرا، المسألة ليست مسألة البحث عن الفكر في البانتو حين يكون وجود البانتو هو بديل اللاوجود وعدم الاتزان. حقيقة أن فلسفة البانتو لن تُفهم في سياق الثورة، لكنها بالضبط في الدرجة حيث مجتمع البانتو، بما أنه مجتمع مغلق، لا يمتلك بدائل الشخص الاستغلالي في العلاقات الوجودية بين القوى المختلفة. وبالقطع لا يوجد هناك أي شيء وجودي في الفصل العنصري، كفاية زبالة بقى. (ده هو اللي بيقول والله، هو بيعترض على العنصرية المضادة / جبهة) لنا فترة من الوقت هناك كلام كثير عن الزنجي، ربما كان كلام زائد عن اللازم قليلا، يريد الزنجي أن يتم نسيانه قليلا لكي يستطيع جمع قواه، قواه الأصلية. ذات مرة قال : "زنجيتي ليست برجا"... وهناك أناس يريدون أن تجعله هيليني (اغريقي يعني / جبهة) تريد أن تجعل منه أورفيس ... الزنجي هو الذي يبحث عن العالمية. إنه يبحث عن العالمية، ولكن في يونيو من عام ١٩٥٠ رفضت الفنادق الفرنسية إعطاء غرف للحجاج الزنوج. لماذا ؟ لأن زبائن الفنادق البيض الأغنياء جدا، والذين كما نعرف جميعنا، يكرهون الزنوج، هددوا بأنهم سيغادرون الفندق. ينشد الزنجي العالمية، ولكن يظل جوهر الزنجي على الشاشة، وتظل طبيعته الزنجية بكرا : دائما عبد
دائما متزلف ومبتسم
أسرق أنا لا ... أكذب أنا لا
ودائما آكل جيدا جدا
يحاول الزنجي أن يجعل من نفسه عالميا، لكنه طُرد من ليسيه سانت لوي، لأنه كان من الصفاقة لدرجة جعلته يقرأ الإنجليزية. هناك هنا مأساة، يخاطر المثقف الأسود بالوقوع فيها. نعم ؟ أنا بالكاد استطعت أن أفتح عينين كانتا معميتان بشكل تام، ثم يأتي شخص ليكلمني مرة أخرى عن العالمية ؟ لكن ماذا عن الآخرين ؟ الذين ليس لهم صوت، ولا يوجد أحد يُنيب عنهم، أنا أحتاج أن أغرق في زنجيتي، أن أرى النيران، التفرقة العنصرية، القمع، الاغتصاب، التمييز، المقاطعة. نحن نحتاج أن نضع أيدنا على كل جرح تقيح في جسد الزنجي. أنا الآن من الممكن أن أتخيل إليون ديوب وهو يتساءل : ما هو المكان الذي يمكن أن تحتله العبقرية الزنجية في جوقة العالمية. أنا أؤمن أن الثقافة الحقيقية لا يمكن تخرج في الظروف الحالية. سيكون لدينا الوقت الكثير فيما بعد لكي نتكلم عن العبقرية الزنجية، لكن بعد أن تنال الشعوب حقوقها الإنسانية. (اسم الله عليك ... امال انا باحبه وخطبته من شوية ؟ / جبهة) أرجع مرة أخرى إلى سيزار، يا ليت الكثير من المثقفين السود يرجعون إليه. يجب علي التكرار على نفسي : "وأكثر من أي شيء، جسمي، وروحي، لا تسمحان لك أن تشبك ذراعيك مثل أي مشاهد عقيم. لأنه لا أحد يتفرج على الحياة، لأن بحر الأحزان ليس مسرحا، لأن الرجل الذي يصرخ ليس دبا يرقص". استمرارا لتخزين الحقيقة، وسعيا لتأكيد المثال الرمزي المتبلور، أجد نفسي على أعتاب سيكولجية جونيان. من خصائص الحضارة الأوربية وجود النماذج النمطية فيها في قلب الوعي الجماعي، مثلما يتحدث جونجان فيقول :تعبيرا عن الغرائز السيئة، عن الظلام الموجود في كل ذات، عن المتوحش غير المتحضر، الزنجي الذي ينام داخل كل أبيض. ويقول جانج : إنه وجد أناس غير متحضرين، إنه يرسم نفس البنية الوجودة في النموذج الذي يملكه. أنا شخصيا مقتنع أن جانج خدع نفسه، علاوة على أن كل من قام بتعريفهم من الناس – سواء من الهنود الحمر الموجودون في الأريزونا أو الزنوج في كينيا البريطانية – كان لديهم اتصالا صادما بالبيض. أنا ذكرت قبل قليل أن في شخصيته السالفينية، لا يشعر الأنتيلي مطلقا أنه أسود، وقد حاولت أنا أن أشرح تلك الظاهرة وعلاقتها، (هامش من المؤلف : الشخصية السالفينية مشتقة من شخصية سالفين التي ابتكرها جورج داهمل، وسالفين شخصية نموذجية للشكل النمطي للمثقف، متوسط، دائم الهروب، وهو دائما ضحية لإوهامه الخرافية / فانون) (بالبلدي كده : محفلط مظفلط كتير الكلام عديم الممارسة عدو الزحام بكام كلمة فاضية وكام اصطلاح يفبرك حلول المشاكل قوام [ قصيدة "يعيش أهل بلدي" لإحمد فؤاد نجم]، ... كويس ان خطيبي بيكره المثقفين زيي / جبهة) يحاول جانج أن يحدد الوعي الجماعي عن طريق الخصائص الوراثية للدماغ. ولكن الوعي الجماعي ليس له علاقة بالجينات، إنه مجموعة تعصبات، أساطير، سلوك جماعي لجماعة معينة. من المسلم به أن اليهودي الذي هاجر إلى إسرائيل سينتج وعي جماعي، ولكن بعد مرور مدة طويلة، مختلف عن الوعي الجماعي الذي كان لديه قبل سنة ١٩٤٥ التي أُجبر على الهجرة منها. على المستوى الفلسفي، سيصبح ذلك المكان هو الذي ستكبر به مشاكل الغريزة والعادات : الغريزة التي يُلد بها الإنسان، ( نحن نعلم أنه يجب علينا أن نراقب الفطرة / فانون) تكون مختلفة، وذات خصوصية، عن العادات التي تُكتسب. بهذا المفهوم يخلط جانج بين الغريزة والعادات. فمن وجهة نظره، الوعي الجماعي يرتبط بالتكوين الدماغي، الأساطير والنماذج النمطية هي مكونات أساسية في العرق. أرجو أن أكون وضحت أنه لا يوجد شيء بهذا الاسم، وأن هذا الوعي الجماعي منتج ثقافي يتم اكتسابه. من الممكن مثلا أن يصاب أحد سكان الجبل الشباب في كارباثيان، وتحت ظروف نفسية كيميائية لبلده، بالميكسيديما، (قصور درقي بيسبب استسقاء وجفاف في الجلد والشعر وفقدان لحيوية الجسم والعقل / جبهة، / من مريام ويبستر) وكذلك زنجي مثل رينيه ماران، الذي عاش في فرنسا واستنشق وأكل التعصب العنصري الموجود في أوربا، يقدر، لو خرج من ذاته، أن يعبر عن كراهيته للزنجي. لابد أن نسير ببطء لأنه ستكون هناك مأساة، أننا نعري العملية شيئا فشيئا ونراها بشكل كامل. ألا تكون هذه الجملة مفهومة ؟ في أوربا، الرجل الأسود هو رمز الشر. هيا بنا إذن نسير ببطء، أنا أعرف أن هذه الموضوع ليس سهلا. فالذي يعذب هو الرجل الأسود، أبليس هو الرجل الأسود، نحن نتكلم عن ظلال، عند يتسخ الفرد يصبح أسودا – سواء اتساخ حقيقي أو معنوي. سيحدث الأمر صدمة لو وضعنا الاتنين معا، لكي يكون لدينا صورة مكتملة، تصور الأسود أنه رمزا للخطيئة. الرجل الأسود في أوربا، سواء أكان ذلك بشكل حقيقي أو بشكل رمزي، يرمز إلى الجانب الشرير في الإنسان، لو لم يفهم الناس تلك الحقيقة، نكون نقوم بتضيع أوقاتنا بالدوران في دائرة مفرغة، ونحن نتكلم عن مشكلة السود. السواد، الظلام، الظلال، الليل، تجويفات الارض، الأعماق السحيقة، تسويد سمعة إنسان، على الجانب الآخر المنظر البراق للبراءة، حمامة السلام البيضاء، نور السماء السحري، طفل جميل أشقر – يا سلام جملة كلها سلام، وفرحة، وأهم من هذا كله : أمل ! لا يتكلم أحد عن الطفل الجميل الأسود : لا يوجد مثل هذا من الأصل. وأيضا ذات القصة، حسنا أنا لن أعود إلى قصص الملائكة السود. في أوربا، وفي كل دولة متحضرة، الزنجي رمز للخطيئة. الونجي يمثل النموذج النمطي للقيم المنحطة. مثل تلك القيم المتقابلة توجد في كتاب دوسيي "أحلام اليقظة"، ماذا نقول أيضا كي نوضح أن كل القيم المنحطة والخطايا يمثلها الملون الأسود ؟ الوضع في كتاب دوسيي (اللي مافيهوش اي تورية خالص) هو أما الانحدار أو الصعود. في حالة الهبوط نرى كهوفا، أقبية يرقص بها متوحشون، في أحد أحلام اليقظة، يحكي دوسيي لنا أننا نلاقي شخصا من الجولز (الفرنسيين القدامى) في الكهف، ولكن وجود الجولي في الكهف يشبه وجود دوسيي ذاته، بمعنى أنه زميله، أو أحد أفراد عائلته، يمثل وجود الجولي في الكهف كأن دوسيي يأخذ صورة مع أحد أفراد عائلته : صورة مع جده. لابد للإنسان أن يعود طفلا مرة أخرى لكي يفهم بعض الحقائق النفسية.
No comments:
Post a Comment
Note: only a member of this blog may post a comment.