واسم "كفر البطيخ" هو اسم حقيقي يقع في محافظة دمياط، ولا علاقة له بـ"بطيخ" الحياة السياسية في مصر والعديلات الدستورية.
الناس في سواحل كفر البطيخ تمتهن ثلاثة مهن رئيسية: الزراعة، الصيد، النجارة. والناس في سواحل كفر البطيخ، الآن، هم فقط نساء وأطفال، أما معظم الرجال فهم في غياهب سجن وادي النطرون، لسبب تجهله الدولة ذاتها، بدليل أن وجودهم داخل السجن ليس له أي صفة أو علة قضائية، وإنما هو على سبيل التحفظ، منهم من وصلت مدة التحفظ عليه إلى 13 سنة.
وحرصا على تواصل الأجيال، تقوم الدولة بالتحفظ على كثير ممن يبلغ الحلم من الأطفال، أي أن سواحل كفر البطيخ، كلما "عبأت" رجالا، وفقا لقانون نمو الكائن الحي، أفرغتها الحكومة من رجالها، وفقا لقانون الطوارئ.
ولعملية تواصل الأجيال خطوات يتم اتباعها بمنتهى الدقة، فيعتقل الشاب، الذي غالبا ما يتراوح عمره ما بين الثامنة عشرة إلى الخامسة والعشرين، ويتم استقباله بمنتهى "الحفاوة" من أمن الدولة، ثم يجودون عليه بما أفاض عليهم الرب من صفعات وبذاءات وكمية كبيرة من الكهرباء، التي تتجاور، بدورها، مع السبعين بالمائة ماء في جسم الإنسان حتى يصبح كل واحد منهم لا يقل قيمة عن شركة الماء والكهرباء القطرية، حضارة وتقدم،
ثم يرسلونه إلى سجن وادي النطرون، فيقابلون هناك الآباء والأخوال والأعمام، ويلتئم شمل الأسرة في سعادة ومحبة!
سيقول أحد المتشائمون: "طب والنساء والأطفال المتروكون وحدهم بلا عائل ولا سند؟!"، فأجيبه بأن النساء يزرن، أحيانا، رجالهن وأولادهن وأحفادهن، في السجون كل شهر، وبذلك تتم السعادة الأسرية، كما أن الشرطة تؤدي خدمة ذهبية للنساء في سواحل كفر البطيخ، إذ تعفيهن من الطهي!
فكل النساء يعلمن أنهن لا يطهين إلا في وجود رجل في المنزل، لأنهم الوحيدون الذين يعترضون على الـ"ناقص ملح..والزائد فلفل..والشوربة سخنة..والسلطة ساقعة"، إذن رحمة بالنساء في سواحل كفر البطيخ، تعتقل الدولة رجالهن، وحتى حين تسمح لهن، أحيانا، بزيارة رجالهن وتقديم لهم الطعام الذي طهينه، فلن يكن أمام الرجل فرصة، وهو في السجن، أن "يتعوج على الأكل".
أما بخصوص الاستقبال الحافل "الفاشخ" الذي يسبق الإيداع في سجن وادي النطرون، فهو إن شاء الله في ميزان حسناتهم إن صبروا واحتسبوا، فهل أجرمت الدولة أنها تزيد من حسنات هؤلاء؟
إذن فنحن لا ننكر الجميل، ولا نعترض على اعتقال الرجال، بدون تهمة محددة حتى الآن، ولا على الاستقبال الحافل الذي يزيد من الحسنات، ولا على حرمان النساء والأطفال من عائلهم،
ولا حتى نعترض على تدمير الدولة لمزارع السمك التى اشترك فيها كل أبناء الكفر، حيث أن الدولة ترغب في توسيع ميناء دمياط، وبما أن مزارع السمك تحول دون ذلك، فقد دمرتها الدولة وقتلت السمك دون دفع تعويضات للأهالي الذين استدانوا للاشتراك في هذه المزارع، ذلك لأن سمك المزارع ليس لذيذا ولعلمكوا بقى زفر، وعليه فأهالي الكفر، لا يستحقون التعويض.
ثم أن الميناء، الذي سيجلب لنا "المستورد"، سيكون أفضل من العمل في الزراعة، أو صناعة النجارة، ويبدو أن غرف النوم التي يصنعها النجارون هناك لا تروق للدولة كثيرا، يمكن ذوقها بلدي، وسيكون أفضل من صيد الأسماك، لأن المستورد جميل،
ونأمل أن تصبح هذه الطفرة التاريخية في سواحل كفر البطيخ، بداية جديدة لعصر العولمة في الكفر، حيث نرى الفلاحين والنجارين والصيادين يرتدون الـ"ديرتي جينز" ويرقصون على أنغام الـ"ميتالك"، ويملأون زياراتهم، التي يرسلونها لذويهم في السجون، بالنبيذ الفرنسي الفاخر، خللي الشعب يعيش.
No comments:
Post a Comment
Note: only a member of this blog may post a comment.